والوجود كله من غير سابقة شيء ، ولا استعانة بأحد ، إذا أراد أمرا ، أوجده في الحال من غير امتناع ولا إباء.
ومن كان هذا شأنه ، فلا يحتاج إلى الوالد والولد ، ولا يشبهه شيء من خلقه ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، ولا يوجد شيء من جنسه في الوجود ، هو الله الواحد الأحد ، الفرد الصمد (المقصود في الحوائج على الدوام) لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد.
هذا ما يقرره العقل الإنساني في أبسط محاكماته ، فهل يعقل أن يتخذ هذا الإله ولدا له من خلقه؟ وهو خالق الخلق المتصف بالكمال والمنزه عن كل نقص ، وهو الرّازق المنعم عليهم بجلائل المنعم وصغائرها ، وإن أساؤوا له وجحدوا به ، روى البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النّبي صلىاللهعليهوسلم قال : «ليس أحد أصبر على أذى سمعه من الله ، إنهم ليدعون له ولدا ويجعلون له أندادا (١) ، وهو مع ذلك يعافيهم ويرزقهم».
لذا ارتكب بعض البشر خطأ كبيرا حين نسبوا إلى الله الولد ، فهذا مجرد ادّعاء أجوف ، وحين طلبوا أن يكلمهم الله مباشرة كما يكلم الملائكة وموسى عليهالسلام استكبارا منهم وعتوّا وعنادا ، وطلبوا أن تأتيهم آية مادّية محسوسة استخفافا منهم بآيات القرآن البيّنات ، فهذا من الافتراءات الكاذبة ، تنزه الله عن طلبهم ، وأبان الآيات أحسن بيان وأتمه ، ولكن لا يفهمها إلا العقلاء المنصفون.
ردّ الله تعالى على هذه الادّعاءات الفارغة والافتراءات الواهية ، فقال سبحانه : (وَقالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (١١٦) (٢) (٣)
__________________
(١) نظراء وأمثال.
(٢) تنزيها له تعالى عن اتّخاذ الولد وكل ما لا يليق به.
(٣) منقادون خاضعون.