وصدق ليس وراءه أصدق منه. قل أيها النّبي للمشركين : لست بموكل بكم ولا حفيظ ، ولا بمدفوع إلى أخذكم بالإيمان وإجباركم على الهدى ، فأنتم بملء حرّيتكم تختارون الإيمان وتتركون الضلالة والكفر.
ثم أعلن القرآن قاعدة عامة في التّهديد والوعيد على التّكذيب بالقرآن أو بالعذاب ، فقال الله تعالى : (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٦٧)) أي لكل خبر غاية ونهاية يعرف عندها صدقه من كذبه ، وسوف تعلمون يقينا صدق الخبر وحقيقة الوعد والوعيد ، وهو وعد الله رسوله بالنصر على أعدائه ، ووعيده لهم بالعذاب في الدنيا والآخرة ، قال الله تعالى : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣)) [فصّلت : ٤١ / ٥٣].
وإذا تفضّل الله على هذه الأمة المؤمنة برفع عذاب الاستئصال إكراما لنبيّها ، فلم يبق بينهم داء إلا الفرقة والشّتات ، والنّزاع والخلاف ، فليحذروه ليكونوا أمة مهابة بين الأمم ، وعنوانا طيبا رفيعا لرسالة الحقّ والقرآن.
جزاء المستهزئين بالقرآن
يوجد في كل أمّة أناس يعادون القيم الدينية والإنسانية والحضارية ، لسوء في طباعهم ، وانحراف في سلوكهم ، وتأثّرا بأهوائهم وشهواتهم ، ومن هؤلاء نفر من المشركين المكيّين كانوا يستهزئون بالقرآن المجيد ، ويناصرون الأوثان والأصنام ، وذلك منتهى التّردي في الإنسانية وإهدار الكرامة وإهمال العقل ، ومثل هؤلاء لا يفيدهم نقاش ولا جدال ، وأفضل شيء معهم هو التّرفع والإعراض عنهم ، وإهمالهم وتركهم سادرين في ضلالهم ، انتظارا لعذاب الله الذي يوقعه بهم في الدنيا والآخرة.