أخبر الله عزوجل في هذه الآية الأولى : أنه لو أتى بجميع ما اقترحوه من إنزال الملائكة ، وإحياء سلفهم حسبما كان من اقتراح بعضهم أن يحشر قصي بن كلاب وغيره ، فيخبر بصدق محمد ، أو يجمع كل شيء يعقل أن يحشر عليهم ، ما آمنوا إلا بالمشيئة واللطف الذي يخلقه الله ، ويخترعه في نفس من شاء.
لو أننا نزّلنا إليهم الملائكة ، فرأوهم بأعينهم مرة بعد أخرى ، وسمعوا شهادتهم لك بالرسالة ، ولو كلمهم الموتى إذ أحييناهم ، وأخبروهم بصدق ما جاء به النّبي محمد صلىاللهعليهوسلم كما طلبوا ، وجمعنا كل شيء من الآيات والدلائل معاينة ومواجهة ، فيخبرونهم بصدق النّبي ، لو حدث كل هذا ، ما كان شأن هؤلاء القرشيين المكّيين أن يؤمنوا ، وليس عندهم الاستعداد أن يصدّقوا ؛ لأنهم لا ينظرون في الآيات نظر تأمّل وهداية وعظة ، وإنما ينظرون إليها نظر معاداة واستهزاء ، إنهم لا يؤمنون إلا بمشيئة الله ، على سبيل الاختيار ، وليس الإيمان الاضطراري ، ولكن أكثر هؤلاء المشركين يجهلون أن الإيمان إليهم والكفر بأيديهم ، متى شاؤوا آمنوا ، ومتى شاؤوا كفروا ، وليس ذلك كما يظنّون ، لا يؤمن أحد منهم إلا من هديته ووفقته للإيمان ، ولا يكفر إلا من خذلته عن الرّشد فأضللته.
ومن أجل التّخفيف من الله على نبيّه ومواساته ، أبان سبحانه أن سنّته في الخلق أن يكون للأنبياء عدوّ من الجنّ والإنس ، لا ينفرد به نبيّنا ، وإنما كان هذا أمرا عامّا امتحن به غيره من الأنبياء ، ليبتلي الله أولي العزم منهم. وأعداء الأنبياء يلقي بعضهم إلى بعض القول المزيّن المزخرف الذي يخدع بعض السامعين ، ويموّه عليهم الحقائق ، ويغريهم بالمعاصي والأباطيل ، (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ) أي إن ذلك كله بقدر الله وقضائه وإرادته ومشيئته أن يكون لكل نبيّ عدوّ من الشياطين.
فدعهم أيها الرّسول النّبي وما يفترون أي يكذّبون ، واتركهم يخوضون في إفكهم