فردّ الله عليهم بقوله : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) أي أن الله أعلم حيث يضع رسالته ومن يصلح لها من خلقه ، فالرسالة منصب ديني له مقومات خاصة ، وفضل من الله يمنحه من يشاء من عباده ، لا ينالها أحد بخصائص دنيوية عادية ، كالمال والولد والزّعامة والنفوذ ، وإنما تؤتى من هو أهل لها ، لسلامة فطرته ، وطهارة قلبه ، وقوة روحه ، وحسن سيرته وحبّه الخير والحق.
ثم أعلن الله وعيده الشديد لكل المتخلّفين عن الإيمان برسالة القرآن ودعوة النّبي صلىاللهعليهوسلم ، فسيلحق المجرمين يوم القيامة ذلّ وهوان دائمان ، ويدركهم العذاب المؤلم الشديد ، جزاء بما كانوا يمكرون ، وعقوبة لتكبّرهم عن اتّباع الرّسل ، والانقياد لهم فيما جاؤوا به ، كقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ) [غافر : ٤٠ / ٦٠] أي صاغرين ذليلين حقيرين.
ثم جاء قرار الحسم وهو أنه لا داعي للتأسّف على إعراض المشركين عن دعوة الإسلام ، فمن يرد الله أن يوفّقه للحق والخير والإسلام ، ومن كان أهلا بإرادة الله وتقديره لقبول دعوة القرآن ، فإنه يشرح صدره له ، وييسره وينشطه ويسهله لذلك ، ومن فسدت فطرته بالشّرك ، ولم يكن مستعدّا للإيمان ، ولا أهلا ، يجعل الله صدره ضيّقا شديدا عازلا عن قبول الإيمان ، كاتما له عن نفاذ الخير إليه ، مثله كمثل من يصّعّد إلى السماء في طبقات الجو العليا ، حيث يشعر بضيق شديد في التنفس ، وكأنما يزاول أمرا غير ممكن ؛ لأن صعود السماء مثل فيما يمتنع ويبعد عن الاستطاعة ، وتضيق عنه المقدرة. وكما يضيّق الله صدر المعاندين ، كذلك يسلّط الله العذاب أو الشيطان عليهم وعلى أمثالهم ممن أبى الإيمان بالله ورسوله ، فيغويه ويصدّه عن سبيل الله سبيل الحق.
والهدي في هذه الآية : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ) : هو خلق الإيمان في القلب