ولقد كان إبراهيم متكملا بالملّة الحنيفية وأرادها لأولاده ، فوصّى بها بنيه ، وكذلك يعقوب قائلا : يا بني إن الله اختار لكم هذا الدين ، وهو كدين محمد صلىاللهعليهوسلم في أصول الدين العامة ، فاثبتوا على الإسلام ولا تفارقوه. فهل يتبع اليهود آباءهم إبراهيم ويعقوب أو لا؟! ثم قال تعالى : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٣)) [البقرة : ٢ / ١٣٣].
نزلت في اليهود حين قالوا للنبي صلىاللهعليهوسلم : ألست تعلم أن يعقوب يوم مات أوصى بنيه باليهودية. فرد الله تعالى عليهم :
ما كنتم أيها اليهود المكذبون بالنبي محمد صلىاللهعليهوسلم حاضرين حين احتضر يعقوب ، فلا تكذبوا عليه ، فإني ما أرسلت إبراهيم وبنيه إلا بالحنيفية وهي ملة التوحيد والإسلام ، وبه أوصوا ذرياتهم ، بدليل أن يعقوب قال لأولاده : أي شيء تعبدون بعد موتي؟ فقالوا : نعبد إلهك الله الواحد وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ، ونحن له منقادون خاضعون لحكمه.
وقد ردّ الله على اليهود ادّعاءهم أنهم نسل الأنبياء وحفدتهم ، فلا يدخلون النار إلا أياما معدودات ، ومضمون الرّد أن كل إنسان مسئول مسئولية شخصية عن نفسه ، والأمة الماضية لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ، لا ينتفع بعملها أحد ولا يتضرّر : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [فاطر : ٣٥ / ١٨] فلا ينفع السابقين إلا عملهم ، كذلك من بعدهم لا ينفعهم إلا عملهم ، قال الله تعالى : (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (١٣٤)) (١)
حدث مرة أن رؤوس يهود المدينة (كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف وأبو
__________________
(١) مضت.