أطاع الله وآمن به وعمل صالحا ، استحقّ الثواب والمكافأة الحسنة ، ومن جحد وكفر وعمل شرّا ، استحقّ العقاب والجزاء الشديد. وكل ما نزل وينزل بالمسلمين اليوم إنما هو لسوء أعمالهم ، وتقصيرهم في تطبيق أمور دينهم. ولقد أخطأ كل الخطأ من نسب التّخلف للدين ، وترك أمر الناس الذين أصبحوا بلا دنيا ولا دين.
وما الدين إلا دافع لكل فضيلة وتقدّم ، ومانع من كل رذيلة وتخلّف ، ولا نجد مثل الإسلام يرغّب في الطاعة والعمل والعطاء ، ويرهّب من العصيان والخمول والأخذ والاعتماد على جهود الآخرين ؛ لهذا جعل القرآن تفاوتا في المنازل والدّرجات بحسب تفاوت الأعمال ، فذكر أن لكل عامل في طاعة الله أو معصيته مراتب ومنازل من عمله ، يبلّغه الله إياها ، ويثيبه بها ، إن خيرا فخير ، وإن شرّا فشرّ.
والله مطّلع رقيب على كل الأعمال ، فما من عمل للعباد إلا يعلمه ، وهو محصيه ومثبته لهم عنده ، ليجازيهم عليها عند لقائه إياهم ، ومعادهم إليه.
وهذا دليل على أن مناط السعادة والشقاء : هو عمل الإنسان وإرادته ، وكسبه واختياره ، وإن كان لا يقع شيء في ملك الله إلا بإرادته ، وإلا كان ذلك قهرا ، يتنافى مع ملك المالك وهو الله سبحانه ، تنزه الله عن كل نقص ، وتبرأ من كل عيب ، والله مع المحسنين أعمالهم ، المقبلين على ربّهم.
تهديد كفّار قريش وإنذارهم
لم يترك الله تعالى في قرآنه وسيلة لدفع الناس إلى الإيمان وترك الكفر إلا ذكرها ، ولم يهمل طريقة إصلاحية إلا سلكها ، سواء بالترغيب تارة ، والترهيب تارة أخرى ، وهذا الحرص التربوي رحمة من الله بعباده ، وفضل وإحسان لا نجد له نظيرا عند علماء التربية أو الحكماء والفلاسفة ، والسبب في ذلك أن تربية القرآن غير مشوبة