غيركم أفضل منكم وأطوع ، كما قدر على إنشائكم من ذرّية قوم آخرين ، فهو سبحانه قادر على الإهلاك والإنشاء معا ، وقد حقق ذلك ، فأهلك زعماء الشّرك المعاندين ، واستخلف من بعدهم قوما آخرين ، وهم المهاجرون والأنصار الذين كانوا مظهر رحمة الله للبشر في سلمهم وحربهم.
وبعد توجيه هذا الإنذار بالإهلاك في الدنيا ، أتبعه الله إنذارا آخر في الآخرة بقوله سبحانه : (إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ) أي أخبرهم أيها النّبي أن الذي توعدون به من الجزاء الأخروي كائن لا محالة ، ولستم بمعجزين الله بهرب ولا امتناع مما يريد ، فهو القادر على إعادتكم ، وإن صرتم ترابا رفاتا وعظاما بالية ، وهو القاهر فوق عباده.
ثم أردف الله تعالى الإنذارين السابقين بتهديد آخر شديد ، وهو أخبرهم أيها النّبي بقولك : استمرّوا على طريقتكم وحالتكم التي أنتم عليها ، إن كنتم تظنّون أنكم على هدى ، فأنا مستمر على طريقتي ومنهجي ، كما جاء في آية أخرى : (وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ (١٢١) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٢٢)) [هود : ١١ / ١٢١ ـ ١٢٢].
إنكم سوف تعلمون أيّنا تكون له العاقبة المحمودة ، أنحن أم أنتم؟ وعاقبة الدار : العاقبة الحسنى التي خلق الله تعالى هذه الدار لها. إنه لا يفلح الظالمون ، أي لا يسعد ولا ينجح الظالمون أنفسهم بالكفر بنعم الله تعالى واتّخاذ الشّركاء له في ألوهيّته ، كما ورد في آية أخرى : (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ ، وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ) [إبراهيم : ١٤ / ١٣ ـ ١٤].
وقوله تعالى : (اعْمَلُوا) معناه : إنكم سترون عاقبة عملكم الفاسد ، وهذا وعيد وتهديد ، وقوله : (عَلى مَكانَتِكُمْ) معناه : على حالكم وطريقتكم. ثم جزم الله الحكم بأنه (لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) أي لا ينجح سعيهم ، ولا يظفرون بشيء مفيد.