وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (١٣٩) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ افْتِراءً عَلَى اللهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (١٤٠)) (١) [الأنعام : ٦ / ١٣٦ ـ ١٤٠].
سبب نزول هذه الآيات : أن العرب كانت تجعل من غلاتها وزرعها وثمارها ومن أنعامها جزءا تسمّيه لله ، وجزءا تسمّيه لأصنامها ، وكانوا يعنون بنصيب الأصنام أكثر منها بنصيب الله ، لأن الله غني والأصنام فقيرة.
فهذه ألوان ثلاثة من شرائع الجاهلية العربية قبل الإسلام ، ابتدعها المشركون بأهوائهم وآرائهم الفاسدة ، ومن وساوس الشيطان وإيحاء إبليس. أما اللون أو الأنموذج الأول فهو كيفية قسمة القرابين من الحرث والأنعام ، أي الزروع والمواشي ، فجعلوا منها نصيبا مخصّصا للأوثان والأصنام ، ونصيبا لله ، قائلين : هذا لله بزعمهم الذي لا دليل عليه ، وهذا لشركائنا ومعبوداتنا نتقرّب به إليها ، أما نصيب الله فيطعمونه الفقراء والمساكين ويكرمون به الضّيفان والصّبيان ، ونصيب الآلهة المزعومة يعطى لسدنتهم وخدمهم وينفقون منه على معابدهم ، وما كان لشركائهم وأوثانهم يصرف لها ، وما كان لله فهو واصل إلى شركائهم ، وفي الحالين لا يصل إلى الله شيء ، ألا ساء الحكم حكمهم ، وبئس ما يصنعون.
والأنموذج الثاني الذي زيّن به الشيطان لهم أفعالهم : أن كثيرا من المشركين أقدموا على فعل شنيع جدّا ، وهو قتل أولادهم الذكور والبنات ، وكان شركاؤهم وهم سدنة الآلهة وخدمها والشياطين زيّنوا لهم قتل هؤلاء البنات ، وأفهموهم أن قتلهم أولادهم قربى إلى الآلهة ، كما فعل عبد المطّلب حين نذر قتل ابنه عبد الله ، ومنشأ هذا التّزيين : أنهم خوّفوهم الفقر العاجل ، وأوهمهم أن بقاء البنات عار وخزي
__________________
(١) وصف التحليل والتحريم كذبا.