أخرج عبد بن حميد في بيان سبب نزول آية (قُلْ لا أَجِدُ ..) عن طاوس قال : إن أهل الجاهلية كانوا يحرّمون أشياء ، ويستحلّون أشياء ، فنزلت : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً ..) الآية.
ذكرت هذه الآية المكّية أنواع المحرّمات في الجملة ، وفصّلتها آية المائدة (٣) المدنية ، ثم حرّم رسول الله صلىاللهعليهوسلم أكل كل ذي ناب من السّباع وكل ذي مخلب من الطير. وتحريم المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة في المدينة ؛ لأنها في حكم الميتة ، وإن كان موتها بسبب وليس حتف الأنف.
أمر الله نبيّه أن يعلن أنه لا يوجد في شريعة القرآن تحريم شيء على طاعم وآكل يأكله إلا أربعة أنواع : هي الميتة التي ماتت حتف أنفها بغير ذبح شرعي ، والدّم المسفوح أي الدّم السائل الذي يتدفّق من عروق المذبوح ، ولحم الخنزير ومثله شحمه وسائر أجزاء جسده ، فإنه نجس ينبغي اجتنابه ، والفسق وهو المذبوح لغير الله ولم يذكر اسم الله عليه ، وهو ما يتقرّب به إلى الأصنام والأوثان. أما الدّم الجامد وهو الكبد والطّحال فحلال أكله ، لقوله صلىاللهعليهوسلم ـ فيما يرويه الحاكم والبيهقي عن ابن عمر ـ : «أحلّت لنا ميتتان ودمان ، فأما الميتتان فالحوت (السمك) والجراد ، وأما الدّمان فالكبد والطّحال».
وتحريم هذه الأشياء الأربعة لما فيها من ضرر صحي يؤذي الجسد ، أو ضرر يمسّ الاعتقاد وهو القرابين المذبوحة التي يتقرّب بها إلى الأصنام والأوثان. ثم استثنى الله تعالى من هذه المحرّمات حال الضرورة : وهي احتمال الوقوع في خطر الموت أو الهلاك جوعا أو عطشا إذا لم يتناول الممنوع ، فمن أصابته ضرورة ملجئة إلى أكل الحرام ، فهو حلال له بشرط ألا يكون باغيا ، أي قاصدا له ، ولا متجاوزا حدّ الضرورة ، فضلا من الله ورحمة ، ويغفر الله للآكل حينئذ ويرحمه حفاظا على حقّ