الحياة ، ما دام يتناول ما يسدّ به رمقه ، أو يدفع ضرر هلاكه. وهذه المحرّمات تحريمها دائم مستمرّ ؛ لأن التحريم لأسباب ذاتية.
وأما الأشياء التي حرّمها الله على اليهود فهو تحريم مؤقت ، عقوبة لهم ، لا لذات الأشياء ، كما قال تعالى : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً (١٦٠)) [النّساء : ٤ / ١٦٠].
وانصبّ التّحريم عند اليهود على شيئين : الأول ـ كل ما له ظفر : وهو ما ليس منفرج الأصابع كالإبل والنّعام والأوز والبط. والثاني ـ الشحوم الزائدة التي تنتزع بسهولة ، على البقر والغنم دون غيرهما ، وهي ما على الكرش والكلى فقط ، أما شحوم الظّهر (السّنام) والذّيل (الألية) فليست محرّمة ، لقوله تعالى : (إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ). والحوايا : الأمعاء. وهذا التحريم بسبب الظلم والبغي ـ وخبر الله صادق يقينا ـ وظلمهم : هو قتل الأنبياء بغير حق ، وصدّهم عن سبيل الله ، وأخذهم الرّبا ، وأكل أموال الناس بالباطل. وهذا تكذيب لليهود في قولهم : إن الله لم يحرّم علينا شيئا ، وإنما حرّمنا على أنفسنا ما حرّمه إسرائيل على نفسه ، فإن كذبوك يا محمد بما أخبرتك به ، فقل لهم على سبيل التّعجب من حالهم والتعظيم لافترائهم الكذب : إن الله ذو رحمة واسعة ، إذ لا يعاجلكم بالعقوبة مع شدة جرمكم ، ولا تغتروا أيضا بسعة رحمته ، فإنّ لله عذابا لا يردّ عن المجرمين إما في الدنيا وإما في الآخرة. وهذا جمع بين أسلوب الترغيب والترهيب في آن واحد ، ترغيب في امتثال أمر الله ، وترهيب من مخالفة الله والرّسول.