ووزن الأعمال للرسل وأقوامهم والتمييز بين راجحها وخفيفها يوم القيامة يكون على أساس من الوزن الحق والعدل التام ، وعبّر تعالى عن نتيجة الحساب بالوزن والميزان ، لأن البشر لا يعرفون أمرا أكثر دقّة منه وأقرب إلى العدل والإنصاف. فمن ثقلت موازينه ورجحت صحائف حسناته على سيئاته ، فأولئك هم الفائزون بالجنة ، الناجون من العذاب. ومن خفت موازين أعماله وغلبت سيئاته بسبب كفره ومعاصيه ، فأولئك الخاسرون أنفسهم ؛ إذ حرموها السعادة والظفر بالنعيم الأبدي ، وصيّروها إلى عذاب النار. والفريق الأول وهم المؤمنون إيمانا صحيحا ، على تفاوت درجاتهم في الأعمال ، هم المفلحون ، وإن عذّب بعضهم بقدر ذنوبه. والفريق الثاني وهم الكافرون ، على تفاوت دركاتهم ومراتبهم في النار هم الخاسرون حقّا.
ثم ذكّر الله تعالى بجلائل نعمه على الناس ، ليحملهم الإقرار بالنعمة على الوفاء للخالق المنعم ، فأقسم سبحانه بأنه مكّن في الأرض للنوع الإنساني ، وخلق للبشر جميع المنافع والخيرات ، وجعل لهم أمكنة يستقرّون بها في الدنيا ، وجعل لهم في المعايش التي تقوم عليها حياتهم من خلق النبات والزرع ، والفاكهة والثمر ، والماء والشجر ، والسمك والجوهر ، والحيوان المسخّر المذلّل لهم ، ليسهل أمر المعيشة ، وكل ذلك يقتضي الشكر وعرفان الجميل ، ولكن الشكر من العباد قليل ، كما أخبر سبحانه : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ : ٣٤ / ١٢].
أمر الملائكة بالسّجود لآدم
نبّه الله تعالى على موضع العبرة ، والتعجيب من غريب الصنعة وإساءة النعمة ، فبدأ بالخلق الذي هو الإيجاد بعد العدم ، ثم بالتصوير في هذه البنية المخصوصة للبشر ، وإظهارا لتفضيل البشر على سائر المخلوقات وإبداء لتكريمهم ، أمر الله تعالى الملائكة