يراد بهذه القصة إرشاد الناس إلى طرق الهداية ، وتحذيرهم من وساوس الشّياطين ، فإن الشيطان بسبب حسده لآدم وحواء ، سعى في إخراجهما من الجنّة بمكره وخديعته ، ليسلبهما ما هما فيه من النعمة. قال الحسن البصري : كان يوسوس من الأرض إلى السماء ، وإلى الجنّة بالقوة الفوقية التي جعلها الله تعالى فيه.
والمعنى : أباح الله تعالى لآدم وحواء سكنى الجنة والأكل من جميع ثمارها إلا من شجرة واحدة. والجنّة هي جنّة الخلد ، والشجرة : نوع معين لم تعرف في القرآن ، والنّهي عن الأكل من الشجرة لحكمة معينة هي اختبار الإنسان ومعرفة مدى امتثال التكليف الإلهي ، فإنهما إن أكلا من تلك الشجرة ، كانا من الظالمين لأنفسهما.
فحسدهما الشيطان ، وسعى في خديعة آدم وحواء ، ليسلبهما نعمة السكنى في الجنّة ، فوسوس لهما لتصير عاقبة أمرهما إبداء ما ستر من عورتهما ، وقال لهما : ما نهاكما ربّكما عن هذه الشجرة إلا لئلا تكونا ملكين ، أو تكونا خالدين في الجنّة. وأقسم لهما قسما مغلّظا شديدا : إني لكما لمن الناصحين المخلصين. ثم تابع في خداعهما بالترغيب في الأكل ، وبالوعد وبالقسم ، حتى نسيا أمر الله إليهما وإخباره أن الشيطان عدوّ لهما ، ثم تمكّن من إسقاطهما عما لهما من المنزلة عند الله ، كما قال تعالى : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (١١٥)) [طه : ٢٠ / ١١٥]. وقوله تعالى : (فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ) معناه : فنزّلهما إلى الأكل من الشجرة ، بما غرّهما به من القسم بالله ، أي غرّهما بقوله وخدعهما بمكره.
فلما ذاقا ثمرة الشجرة ، ظهرت عوراتهما ، وزال عنهما النور ، وشرعا يستران العورة بورق أشجار الجنة العريض. وعاتبهما ربّهما موبّخا : ألم أمنعكما من الاقتراب من هذه الشجرة ، والأكل منها ، وأقل لكما : إن الشيطان ظاهر العداوة لكما ، فإن أطعتماه أخرجكما من دار النّعيم وهي الجنّة إلى دار الدنيا وهي دار الشقاء والتعب