تعالى منكرا الاعتراض على حكم تحول القبلة : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٤٢)) (١) [البقرة : ٢ / ١٤٢].
ثم بعد أن ذكر تعالى في الآية التالية مزية وسطية المسلمين والإسلام ، قال مبيّنا الحكمة من التّوجه إلى الكعبة : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٤٣)) (٢) (٣) (٤) [البقرة : ٢ / ١٤٣].
ومعنى الجزء الأخير من الآية بيان قاطع بقبول عبادة الذين ماتوا قبل تحويل القبلة ، ردّا على المرجفين القائلين : ما حال المسلمين قبل التحويل ، وكيف نحكم على صلاتهم وإيمانهم؟ فأجابهم الله بأنه يقبل صلاتهم وثباتهم على الإسلام ، ولا يضيع أعمالهم وعبادتهم ، لأن الله بالناس رؤف رحيم بهم.
حكمة تحويل القبلة
بيّنا في حديث سابق أن النّبي صلىاللهعليهوسلم ، كان يتشوّف لتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة ، لتثبيت ذاتية الإسلام ، ولأنها قبلة أبيه إبراهيم ، ولأنها أدعى إلى إيمان العرب المعوّل عليهم في نشر الرسالة ، ولا يعد تطلّعه إلى تحويل القبلة متعارضا مع أمر ربّه ؛ لأن صفاء روحه وقوة يقينه يجعله يتطلع إلى ما يظنه خيرا ، ويعتقد أن فيه الرّضا والخير والمصلحة ، لذا أجابه الله إلى طلبه ، فقال : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي
__________________
(١) أي خفاف العقول ، المضطربون في الرأي والفكر والخلق ، والمراد بهم هنا المنكرون تغيّر القبلة من اليهود والمشركين والمنافقين.
(٢) يرتدّ عن الإسلام عند تحويل القبلة.
(٣) لشاقة ثقيلة على النفوس.
(٤) أي صلاتكم المسببة عن الإيمان إلى بيت المقدس.