ولهؤلاء المجرمين من نار جهنم فراش يفترشونه من تحتهم ، وأغطية من فوقهم ، والمراد أن النار محيطة بهم ، مطبقة عليهم من كل جانب ، كما قال الله تعالى : (إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (٨)) [الهمزة : ١٠٤ / ٨]. وقال : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) [التوبة : ٩ / ٤٩] وقال سبحانه : (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ) [الزمر : ٣٩ / ١٦].
ومثل ذلك الجزاء نجزي الظالمين أنفسهم وغيرهم من الناس ، وهذا دليل على أن المجرمين والظالمين هم الكافرون ، لقوله تعالى : (وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [البقرة : ٢ / ٢٥٤].
إن هذا الجزاء الحاسم للكفار يتطلب التأمل والاعتبار والاتعاظ ، فلا يقبل لهم عمل صالح في الآخرة ، لأن قبول العمل مرتكز على قاعدة صحيحة هي الإيمان والتقوى ، والله إنما يتقبل من المتقين ، ويقبل العمل الصالح لا الفاسد ، ويرفع إليه الكلم الطيب ، لقوله تعالى : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) [فاطر : ٣٥ / ١٠] وقوله سبحانه : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (١٨)) [المطفّفين : ٨٣ / ١٨].
وفي قوله : (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ) تشبيه المعنويات بصور المحسوسات ، فإن جهنم فراش لهم ومسكن ومضجع يتمهدونه ، وهي لهم غواش : جمع غاشية ، وهي ما يغشى الإنسان ، أي يغطّيه ويستره من جهة فوق ، فكأن النار التي من تحتهم ومن فوقهم ومن جميع جوانبهم مثل الفراش المفترش ، واللحاف الذي يتغطى به النائم ، نعوذ بالله من الخذلان ومن شدة نار جهنم.
جزاء المؤمنين المصدّقين
إن أسعد ما يفرح قلوب العاملين في الدنيا والآخرة : هو الظفر بالأجر والثواب ، لأن العدل يقتضي ذلك ، ولأنه يشعر العامل أن عمله محفوظ محترم ، وثمرة جهوده لم