ليعتبر بهما ، فلما طالت المدة ، عبدا من دون الله ، فكان أهل الجاهلية إذا طافوا بينهما مسحوا الوثنين ، فلما جاء الإسلام وكسّرت الأصنام ، كره المسلمون الطواف بينهما لأجل الصّنمين ، فأنزل الله تعالى هذه الآية :
(إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ (١٥٨)) (١) (٢) (٣) [البقرة : ٢ / ١٥٨].
وقد فهم عروة بن الزبير خطأ أن السّعي بين الصّفا والمروة غير مطلوب شرعا ، فقال لخالته عائشة رضي الله عنها : «أرأيت قول الله : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) فما أرى على أحد شيئا أن لا يطوف بهما ، فقالت عائشة : بئس ما قلت يا بن أختي ، إنها لو كانت على ما أوّلتها عليه ، كانت (فلا جناح عليه أن لا يطّوف بهما) ولكنها إنما أنزلت لأن الأنصار قبل أن يسلموا كانوا يهلّون لمناة الطاغية (٤) ، وكان من أهلّ لها يتحرّج أن يطوف بالصّفا والمروة ، فسألوا عن ذلك رسول الله ، فقالوا : يا رسول الله ، إنا كنا نتحرّج أن نطوف بالصّفا والمروة في الجاهلية ، فأنزل الله : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) إلى آخر الآية.
ثم بيّن الله تعالى جزاء أحبار اليهود وأمثالهم على كتمان ما أنزل الله وإخفائه على الناس مع شدة الحاجة إليه ، أو وضع شيء مكذوب من عندهم مكانه ، وذلك الجزاء هو الطّرد من رحمة الله وغضب الله عليهم ، إلا من تاب منهم ورجع عن كتمان كلام الله ، وأصلح ما أفسده بأن أزال ما وضعه من عنده ، وأعلن الأصل الصحيح ،
__________________
(١) معالم دينه في الحجّ والعمرة.
(٢) زار البيت الحرام.
(٣) يكثر الطواف والسعي بينهما.
(٤) أي يرفعون صوتهم بإحرامهم ملبّين بحجّ أو عمرة.