يا أيها الناس كافّة كلوا مما يوجد في الأرض حلالا أحلّه الله لكم ، طيبا لا شبهة فيه ولا إثم ، ولا يتعلق به حق الغير ، وألا تأكلوا الخبائث التي منها ما يأخذه الرؤساء من الأتباع ، فهو حرام خبيث لا يحل أكله. وألا تتبعوا طرق الشيطان بالإغواء والإضلال والوسوسة ، فهو يوسوس بالشّر والمنكر ، وهو لكم عدوّ ظاهر العداوة من عهد أبينا آدم عليهالسلام ، فلا يأمر بالخير أصلا ، ولا يأمر إلا بالقبيح من الذنوب ، فاحذروه ولا تتبعوه ، ويأمركم أن تقولوا على الله في دينه ما لا تعلمون يقينا أنه شرع الله في العقائد والشعائر الدينية ، أو تقدموا على تحليل الحرام وتحريم الحلال ، للتوصل لإفساد العقيدة وتحريف الشريعة.
ثم حكى الله عن المشركين وبعض اليهود ما هم عليه من التقليد الأعمى ، قال ابن عباس : دعا رسول الله اليهود إلى الإسلام ، ورغّبهم فيه ، وحذّرهم عذاب الله ونقمته ، فقال رافع بن حرملة ومالك بن عوف : بل نتّبع ما وجدنا عليه آباءنا ، فهم كانوا أعلم وخيرا منا ، فأنزل الله في ذلك : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (١٧٠) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ (١٧١)) (١) (٢) [البقرة : ٢ / ١٧٠ ـ ١٧١].
أي إن هؤلاء الكفار في تقليدهم الأعمى آباءهم كالببغاوات وكرعاة السّوائم التي لا تعي ولا تفقه ما يقال لها ، فكل من الفريقين لا يعي شيئا مما يسمع ، وإنما يسمع بجرس اللفظ ورنينه فقط ؛ لأن الله قد ختم على قلوب الكفار ، وجعل على أسماعهم وأبصارهم غشاوة.
__________________
(١) يصوّت ويصيح.
(٢) خرس عن النّطق بالحق.