جزاء كتمان آيات الله
إن العلماء أمناء على ما يقولون وعلى ما ينقلونه ويخبرون عنه من شرع الله ودينه ، فإذا خان العالم الأمانة ، وغيّر وبدّل ، وحرّف وشوّه الحقائق ، فقد الثقة به من العالم أجمع ، واستحقّ العذاب في نار جهنم.
ولقد هدد الله تعالى في قرآنه بعض علماء أهل الكتاب وأحبارهم وأنذر المشركين الذين حرّموا بعض الحلال ، وابتدعوا في الدين أمورا ليست منه ، فقال الله سبحانه : (١) (٢) (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٤) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (١٧٥) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (١٧٦)) (٣) [البقرة : ٢ / ١٧٤ ـ ١٧٦].
قال ابن عباس : نزلت هذه الآيات في رؤساء اليهود وعلمائهم ، كانوا يصيبون من أتباعهم الهدايا ، وكانوا يرجون أن يكون النّبي المبعوث منهم ، فلما بعث من غيرهم خافوا ذهاب مأكلتهم وزوال رياستهم ، فعمدوا إلى صفة محمد صلىاللهعليهوسلم فغيّروها ، ثم أخرجوها إليهم ، وقالوا : هذا نعت النّبي الذي يخرج في آخر الزمان ، لا يشبه نعت هذا النّبي الذي بمكة ، فإذا نظرت الأتباع إلى النعت المتغيّر ، وجدوه مخالفا لصفة محمد صلىاللهعليهوسلم ، فلا يتّبعونه.
إن سبب نزول هذه الآيات كما ذكر عن ابن عباس يبين المقصود من الآيات ويحدد المراد منها ، ومعناها : إن الذين يكتمون ما أنزل الله في الكتاب المنزل عليهم من وصف النّبي صلىاللهعليهوسلم وبيان زمانه وغير ذلك مما يشهد بصدق نبوّته وكمال رسالته
__________________
(١) أي يبيعونه بثمن قليل.
(٢) أي لا يطهّرهم من دنس الذنوب.
(٣) أي في مخالفة شديدة ومنازعة.