روى ابن أبي حاتم عن مجاهد : أن أعرابيا أتى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فسأله ، فقرأ عليه : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً ..) قال الأعرابي : نعم ، ثم قرأ عليه : (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ ..) قال : نعم ، ثم قرأ عليه كل ذلك ، وهو يقول : نعم ، حتى بلغ : (كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) فولّى الأعرابي ، فأنزل الله : (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ)
هذه الآيات تعداد لنعمة الله على الناس في البيوت وغيرها.
فذكر أولا ، بيوت التمدن ، وهي الصالحة للإقامة الطويلة ، وهي أكثر بيوت الإنسان ، فالله يسّر للناس طريق الإيواء في هذه البيوت والسكن فيها وإليها ، ثم ذكر الله تعالى البيوت المتنقلة : بيوت النقلة والرحلة للأعراب الرّحّل ، وهي بيوت الأدم (الجلود) وبيوت الشعر ، وبيوت الصوف ، لأن هذه من الجلود ، لكونها ثابتة فيها ، وهي خفيفة الحمل والنقل من مكان لآخر يوم الظعن (السفر) ويوم الإقامة ، وهي الخيام والقباب المعروفة ، يخفّ حملها في الأسفار ، فقوله تعالى : (تَسْتَخِفُّونَها) تجدونها خفافا. وجعل الله سبحانه للناس من أصواف الغنم ، وأوبار الإبل ، وأشعار المعز ، ما يتخذ أثاثا للبيوت ، والأثاث : متاع البيت ، ويتخذ وسيلة للتمتع والانتفاع به في الغطاء والفراش ، لمدة من الزمان في علم الله ، فقوله تعالى : (وَمَتاعاً إِلى حِينٍ) يريد به : وقتا غير معين ، وهو بحسب كل إنسان ، إما بموته وإما بفقد تلك الأشياء.
ثم عدّد الله تعالى نعما أخرى على الناس : وهي أنه جعل لكم أيها الناس من الأشجار والجبال وغيرها ظلالا تستظلون بها من شدة حر الشمس ، وشدة عصف الرياح ، وجعل لكم من الجبال حصونا ومعاقل ومغارات وكهوفا ونحوها ، تأمنون فيها من العدو والحر والبرد ، وجعل لكم سرابيل ، أي ثيابا من القطن والكتان