وإقرارا بالعبودية ، ينزهون الله في سجودهم عن الصاحبة والولد والشريك ، ويحمدون الله على نعمه ، فهم يجمعون بين التسبيح والتحميد ، لا يستكبرون عن طاعة ربهم ، والانقياد لأوامره.
وهم أيضا يصلّون قيام الليل أو التهجد ، تترفع وتبتعد جنوبهم أو جوانبهم عن مضاجع النوم والراحة ، أي أماكن النوم ، يدعون الله خوفا من العقاب ، وطمعا بالرحمة وجزيل الثواب ، وينفقون بعض أموالهم في سبيل الخير والإحسان. فلا تدري نفس على الإطلاق من ملائكة ورسل عظمة ومقدار ما أخفى الله لهم في الجنات من النعيم المقيم ، واللذائذ التي تقرّ بها الأعين أي تفرح وتسرّ ، جزاء عدلا مقابل صالح أعمالهم ، التي عملوها بإخلاص في الدنيا ، من غير سمعة ولا مراءاة ، ومن أبسط المعقولات في قانون الجزاء الإلهي أو البشري أنه كيف يسوّى بين المؤمن بالله ورسوله ، المطيع لأمره ونهيه ، وبين الكافر الفاسق الخارج عن دائرة طاعة الله تعالى ، المكذب رسل الله الكرام ، إنهما لا يستويان في ميزان أحد ، ولا في ميزان الله يوم القيامة.
عن عطاء بن يسار : أن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، والوليد بن عقبة بن أبي معيط ، وذلك أنهما تلاحيا ، فقال له علي : اسكت فإنك فاسق ، فنزلت الآية. وعليه يكون جزاء الفريقين مختلفا في الآخرة : أما الذين صدقوا بالله ورسله ، وعملوا صالح الأعمال ، فلهم جنات المأوى المستقر المريح ، التي فيها ألوان النعيم ، ثوابا وجزاء على أعمالهم الحسنة. وأصل النّزل : ما يعد للضيف من الطعام والشراب والمبيت ، والمراد به هنا : ثوابا وجزاء.
وأما الذين فسقوا ، أي كفروا بالله تعالى ، وعصوه وعملوا السيئات ، وخرجوا عن دائرة الطاعة ، فمأواهم النار التي يستقرون فيها ، كلما عزموا على الخروج منها لشدة العذاب والأهوال ، أعيدوا فيها خاسئين ذليلين ، أي صاروا مخلّدين فيها ،