هو؟ أو بقطعة من النار في عود كبيرة لا لهب لها ، أي إنها جمرة ، لعلكم تستدفئون من البرد.
فلما أتى موسى ذلك الضوء الذي رآه ، وهو في تلك الليلة ابن أربعين سنة ، نبّئ بالنّبوة ، حيث نودي في مكان النور من بعيد ، من جانب الوادي التي هي عن يمين موسى من ناحية الغرب ، أو أن الوادي وصف باليمن ، في البقعة المباركة ، وابتداء النداء من جهة الشجرة (أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) وهذا تعريف بالمنادي المتكلم ، وهو الله ربّ جميع العوالم من الإنس والجنّ.
ونودي بأن ألق عصاك التي في يدك ، فألقاها فصارت حيّة عظيمة تسعى ، فتحقق أن الذي يكلمه هو الله تعالى ، فلما رأى العصا تتحرك ، كأنها جانّ من الحيّات (وهي صغير الحيّات) فجمعت هول الثعبان ونشاط الجانّ ، ولّى موسى هاربا ، ولم يرجع ولم يلتفت إلى ما وراءه ، خوفا منها ، بحكم الطبيعة البشرية ، فقال الله تعالى له : يا موسى ارجع إلى مكانك أو مقامك الأول ، ولا تخف من هذه الحية ، فأنت آمن من كل سوء. وهذا من تأمين الله تعالى إياه ، ثم أمره بأن يدخل يده في جيبه ، وهو فتحة الجبّة من حيث يخرج رأس الإنسان. ومعنى (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ) أدخل يدك في فتحة قميصك العليا من جهة الرأس ، ثم أخرجها ، تخرج بيضاء تتلألأ ، ولها شعاع ، كأنها قطعة قمر (مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) أي من غير عيب ولا مرض ولا برص فيها.
وزيادة في التأمين ، وإزالة لكثرة الخوف والفزع الذي ألمّ بموسى ، وإعدادا له لتحمّل عبء الرسالة بعزم وحزم وهمة عالية ، أمره الله بوضع يده على صدره ، لإذهاب الخوف كما هي العادة المتّبعة ، فهاتان آيتان أو معجزتان : وهما إلقاء العصا وانقلابها حية تسعى ، وإدخال يدك في جيبك ، فتخرج بيضاء مشعّة من غير سوء ولا مرض ، هما دائما دليلان قاطعان واضحان من ربّك ، دالان على قدرة الله وصحّة