(أَفْتَرى) وهو من قول بعضهم لبعض. والمعنى : أافترى ، دخلت ألف الاستفهام على ألف الوصل ، ثم حذف ألف الوصل ، وبقيت مفتوحة غير ممدودة ، فكأن بعضهم استفهم بعضا عن محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ثم أضرب القرآن الكريم عن قولهم ، أي قول الذين لا يؤمنون بالآخرة ، فكأنه قال : ليس الأمر كما قالوا ، بل الذين كفروا ولم يصدقوا بالآخرة : هم في العذاب الدائم في عالم الآخرة ، وهم في الدنيا في الضلال البعيد عن الحق. فقوله تعالى : (فِي الْعَذابِ) يريد : عذاب الآخرة ، لأنهم يصيرون إليه ، وقوله : (فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ) يريد ، أنهم في غاية البعد عن الصواب والطريق الذي ضل منه ، بسبب حيرة صاحبه.
واحتاجوا إلى التنبيه على قدرة الله الخلاقة بخلق السماوات والأرض ، والتوبيخ على عدم التفكر والتدبر في ذلك الخلق ، فقيل لهم : أفلم ينظروا أمامهم وخلفهم إلى السماء الناطقة بوجود القادر ، والأرض الدالة على وجود الصانع؟! فلو نظروا إلى السماء والأرض ، لعلموا أن خالقهما قادر على تعجيل العذاب لهم ، فإن يرد الله يخسف بهم الأرض ، كما خسفها بقارون ، أو يسقط عليهم قطعا أو شهبا نارية من السماء تحرقهم ، كما أسقطها على أصحاب الأيكة ، فلو شاء الله لفعل ذلك بهم.
إن في ذلك ، أي في إحاطة السماء بالمرء ، ومماسّة الأرض له على كل حال ، لعلامة قاطعة ، ودلالة واضحة على وجود الله وقدرته لكل عبد فظن رجّاع إلى الله تعالى ، لأن من قدر على خلق هذه السماوات في ارتفاعها واتساعها ، وخلق الأرض في انخفاضها وسعتها ، قادر على إعادة الأجساد كما كانت. والمنيب : هو الراجع إلى الله عزوجل.
لقد تكررت الآيات القرآنية المرشدة إلى الإيمان بالبعث وتقدير قدرة الله الفائقة ،