وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ (١٣) فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ (١٤)) (١) (٢) [سبأ : ٣٤ / ١٠ ـ ١٤].
منح الله تعالى داود عليهالسلام فضلا منه وكرما نعما عظيمة ثلاثا من خلال الجمع له بين النبوة والملك العظيم ، أولها : ترجيع الجبال مع ترانيمه وتسابيحه ، فكان إذا سبّح سبّحت معه الجبال ، ويسمع صداها. وتسخير الطيور له ، يفهم لغتها ، ويستخدمها في قضاء حاجاته ، والانة الحديد له ، فيصير في يديه كالعجين ، من غير طرق ولا إذابة في النار ، ليعمل بها الدروع الواسعة ، وينسجها نسجا محكم الحلقات بحيث تكون حلقها منسجمة متوالية غير متفاوتة ، فلا هي ضيقة ولا واسعة ولا ثقيلة ، وهذا يحقق حاجة داود حيث كان عصره عصر حروب وقتال مع الملك المعاصر له.
وهذا هو المراد بقوله تعالى : (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) أي قدر تقديرا سديدا في نسج الدروع المحكمة ، بحيث تجمع بين الخفة والمتانة ، والتوسط والاعتدال ، فلا تكون الحلقات صغيرة ولا كبيرة ، وهذه نعم تستحق الشكر ، ومردودها على آل داود ، لذا قال الله لهم : (وَاعْمَلُوا صالِحاً) أي اعملوا يا آل داود عملا صالحا فيما أمدكم الله به من النعم ، ثم توعدهم بقوله : (إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) أي لا يخفى علي أمركم ، فإني بصير بأعمالكم وأقوالكم ، لا يخفى علي شيء منها. وهذا ترغيب في العمل الصالح ، وتحذير من التقصير والإهمال.
وكذلك منح الله تعالى نعما ثلاثا أخرى لسليمان بن داود عليهماالسلام وهي تسخير الريح ، أي تذليلها له ، بحيث يكون غدوها مسيرة شهر ، ورواحها مسيرة
__________________
(١) أي قصاع كالحفر الكبيرة.
(٢) أي عصاه.