والتزود بالماء ، ليتميزوا ويتكبروا على الفقراء العجزة ، وظلموا أنفسهم بهذا الطلب ، فجعلهم الله عبرة للمعتبر ، وحديثا للناس يتحدثون به ، وفرّقناهم في البلاد كل تفريق ، فصارت العرب تضرب بهم المثل قائلين : «تفرّق القوم أيدي سبأ» أي مذاهب سبأ وطرقها ، إن في ذلك البلاء والتدمير الذي حلّ بهم لعلامات مؤثرة لكل عبد كثير الصبر على المصائب ، وكثير الشكر على النعم.
وتالله لقد حقق إبليس فيهم ظنه ، إذ أغواهم ، فانقادوا له ، وعصوا ربهم ، وعبدوا الشمس من دون الله ، إلا فريقا منهم انتصروا على وساوس الشيطان ، وبقوا طائعين لله تعالى.
ولم يكن لإبليس على هؤلاء القوم حجة وبرهان ، ولم يكرههم على الكفر ، وإنما كان له الوسوسة والتزيين فقط ، والابتلاء بوسوسته ، ليظهر للملأ حال من يؤمن بالآخرة وحسابها وجزائها من ثواب وعقاب ، من غير المؤمن بها ، الشاك في وجودها ، وربك أيها النبي رقيب على كل شيء ، وسيجازي الكفار على أعمالهم في الآخرة.
إبطال شفاعة آلهة المشركين
يتحدى الحق جل جلاله المشركين ويتهكم منهم في زعمهم الاستعانة بآلهتهم المزعومة من الأوثان والأصنام ، ويقيم عليهم الحجة بإقرارهم أن الله الخالق هو الذي يرزقهم ، ويهددهم بالحساب العسير يوم القيامة ، وبالكشف عن آلهتهم ، ويؤكّد لهم عموم الرسالة النبوية ، ويرد على استبعادهم وجود يوم القيامة ، فإن لهم ميعادا محددا من غير تقديم ولا تأخير ، قال الله تعالى مقررا هذه المناقشات والحقائق :
(قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي