والإنجيل والزبور ، فكانت عاقبة أمرهم الخسران والهلاك ، فلو نظرت إليهم أيها الرسول حين يكون الكافرون أذلة مهانين ، محبوسين في موقف الحساب ، يتخاصمون ويتجادلون ، ويتبادلون التهم والملامة والعتاب ، لرأيت أمرا عجبا.
ولون هذا الجدل : أن يقول الأتباع الضعفاء للسادة المتكبرين في الدنيا : لو لا صدّكم لنا عن الإيمان الصحيح ، لكنا مؤمنين بالله مصدقين برسوله وكتابه وشرعه ، أي لو لا أنتم لآمنا نحن واهتدينا ، أي أنتم أغويتمونا وأمرتمونا بالكفر.
فأجابهم القادة على سبيل التكذيب : أنحن منعناكم عن الهدى ، بعد أن جاءكم من عند الله؟ لا ، بل كنتم مجرمين ، أي دخلتم الكفر ببصائركم واختياركم وإرادتكم ، ودعوتنا لم تكن لازمة لكم ، لأنا دعوناكم بغير حجة ولا برهان.
فردّ الأتباع على الرؤساء : بل كفرنا بسبب مكركم ، أي احتيالكم وخديعتكم ، في الليل والنهار ، حين طلبتم منا البقاء على الكفر بالله ، وأن نجعل له أندادا ، أي أشباها وأمثالا في الألوهية والعبادة. وأضاف المكر إلى الليل والنهار من حيث هو فيهما ، ولتدل هذه الإضافة على الحرص والدأب والاستمرار.
وأسرّ الفريقان الندامة ، أي اعتقدوها في نفوسهم ، وأخفوها عن غيرهم ، خشية الشماتة ، وظهرت علائم الندامة حين واجهوا العذاب المحدق بهم ، وتيقنوا حصولهم فيه ، وحين تكبيلهم بالأغلال ، أي القيود والسلاسل التي تجمع أيديهم مع أعناقهم في النار.
وكان التساؤل المنطقي القائم على العدل : هل يجازون إلا بعملهم؟ أي إنما نجازي الفريقين وأمثالهم ، كل بحسب عمله ، وبسبب ما اقترفه من الشرك بالله والإثم ، فللقادة عذاب يناسبهم ، وللأتباع عذاب آخر يلائمهم ، ولا ظلم ولا تحامل ، كما جاء في آية أخرى : (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [فصلت : ٤١ / ٤٦]. إن كفران المشركين بما