يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (٣٨) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٣٩)) (١) [سبأ : ٣٤ / ٣٤ ـ ٣٩].
نزلت الآية الأولى وما بعدها فيما أخرجه ابن أبي المنذر وابن أبي حاتم عن أبي رزين قال : «كان رجلان شريكان ، خرج أحدهما إلى الشام ، وبقي الآخر ، فلما بعث النبي صلىاللهعليهوسلم كتب إلى صاحبه يسأله ما عمل ، فكتب إليه أنه لم يتبعه أحد من قريش إلا رذالة الناس (٢) ومساكينهم ، فترك تجارته ، ثم أتى صاحبه ، فقال : دلّني عليه ، وكان يقرأ الكتب ، فأتى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : إلام تدعو؟ فقال : إلى كذا وكذا ، فقال : أشهد أنك رسول الله ، فقال : وما علمك بذلك؟ قال : إنه لم يبعث نبي إلا اتبعه رذالة الناس ومساكينهم ، فنزلت هذه الآية : (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ ..) الآية ، فأرسل إليه صلىاللهعليهوسلم : إن الله قد أنزل تصديق ما قلت».
هذه الآيات مؤانسة من الله لنبيه عما يلقاه من إعراض قومه عن دعوته ، والمعنى : لم نبعث إلى أهل كل قرية نبيا أو رسولا ، يحذّرهم ويخوفهم عقاب الله إلا قال الأغنياء المترفون منهم : إنا مكذّبون بما أرسلتم به من توحيد الله والإيمان به.
واعتمد هؤلاء الأغنياء على الاغترار بالأموال والأولاد ، فقالوا لمن دونهم في الثروة : إن الله فضّلنا عليكم بالأموال والأولاد ، وأنتم ضعاف فقراء ، مما يدل على تميزنا ورضا الله عنا ، وما نحن عليه ، ولسنا بمتعرضين للعذاب إطلاقا ، لأن الله الذي تدعونا إليه منحنا هذه النعم ، فهو إذن راض عنا.
فقل أيها الرسول في الرد عليهم : إن الله يمنح الرزق أو المال لمن أحب ولمن لم يحب ، فيغني من يشاء ، ويفقر من يشاء ، ولكن أكثر الناس مثلكم لا يعلمون حقيقة
__________________
(١) مغالبين.
(٢) أي فقراؤهم أو المحتاجون منهم.