الافتراء ، وليس لهم دليل أصلا على ما زعموا ، فلم ينزل الله عليهم كتابا قبل القرآن يقرر لهم دينا ، ولم يرسل الله إليهم نبيا قبل محمد صلىاللهعليهوسلم يدعوهم إلى الحق ، ولم يبعث الله لهم منذرا ينذرهم عذاب الله.
ولا قيمة لتكذيبهم وتشنيعهم ، فلقد كذّبت بالرسل قبلهم أقوام كقوم نوح وعاد وثمود ، ولم يبلغوا بقوتهم وماليتهم عشر ما آتى الله السابقين من ذلك ، فلم يمنع ذلك عنهم عذاب الله ، وكيف كان إنكاري الشديد عليهم؟
وقوله تعالى : (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) تعظيم للأمر ، وليس استفهاما مجردا ، وفي هذا تهديد لقريش ، أي إنهم معرّضون لنكير وعذاب مثله ، فما جرى على المثيل يجري على مثيله ، لتساويهما في سبب العقاب ، فيتساويان في الحكم والجزاء.
إن وضع المكذبين لرسول الله مجرد استكبار وعناد ، وهم يعرفون الحق معرفة تامة ، ولكنهم يحيدون عنه من غير حجة بينة ، ولا دليل بيّن ، ولا عذر لهم إلا التقليد المتوارث للآباء والأجداد ، وإهمال عقولهم وتفكيرهم ووعي ظروف المستقبل.
الدعوة إلى الإيمان والعبادة والنبوة
أمر الله نبيه بدعوة الناس قاطبة إلى عبادة الله تعالى وطاعته والإخلاص له ، والنظر في حقيقة نبوته هو ، والإيمان بالقرآن والقيامة والحساب والجزاء ، وذلك لإنقاذ أنفسهم من العذاب الأليم ، والبعد عن دائرة الكفر ومفاسده ، والضلال ومذاهبه ، والسير في فلك الحق ونفعه ، والبعد عن الباطل وخسرانه ، قبل أن يأتي يوم القيامة ، فلا ينفعهم إيمان بالقرآن والنبي محمد صلىاللهعليهوسلم ، لأن الآخرة دار الحساب والجزاء ، والدنيا دار التكليف والاختبار ، وهذا صريح الآيات الآتية :
(قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ