فيقال لهم على سبيل التوبيخ والتوقيف على الوقائع في الدنيا ؛ أولم نترككم في الدنيا مدة من العمر ، تكفي للتذكر والاتعاظ إذا أردتم التذكر؟ فتلك مدة كافية للإيمان ومعرفة الحق ، وجاءكم الرسول المنذر ، وهو النبي محمد صلىاللهعليهوسلم ومعه القرآن ، ينذركم بعقاب الله إن كفرتم وعصيتم ، أخرج الحكيم الترمذي والبيهقي في سننه وابن جرير وغيرهم عن ابن عباس أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا كان يوم القيامة نودي : أين ابن الستين؟ وهو العمر الذي قال الله فيه : (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ)».
فذوقوا عذاب جهنم ، جزاء على عصيان أوامر الأنبياء لكم في الدنيا ، فليس لكم ناصر ينقذكم مما أنتم فيه من العذاب والنكال ، وهو تهكم بصيغة الأمر ، مثل قول الله تعالى : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (٤٩)) [الدخان : ٤٤ / ٤٩].
ثم أوعد الله تعالى الناس جميعا بإخباره أنه محيط علمه بجميع الأمور والأحوال ، فإن الله يعلم كل أمر خفي في السماوات والأرض ، ومنها أعمال العباد ، لا تخفى عليه خافية ، فلو ردكم إلى الدنيا لم تعملوا صالحا ، فإن الله تام العلم بحقائق النفوس ، وما تكنّه الصدور ، وتضمره السرائر ، من العقائد والظنون وحديث النفس ، وسيجازي كل إنسان بعمله. وهذا ابتداء تذكير بالله تعالى ، ودلائل على وحدانية الله وصفاته التي لا تبتغي الألوهية إلا معها. والغيب : كل ما غاب عن البشر ، و (بِذاتِ الصُّدُورِ) : ما فيها من المعتقدات والمعاني والأسرار.
وسبب علم الله بالغيب : أن الله جعلكم أيها البشر خلائف في الأرض ، يخلف قوم قوما آخرين قبلهم ، لينتفعوا بخيرات الأرض ، ويشكروا الله بالتوحيد والطاعة ، فمن كفر منكم هذه النعمة ، فعليه وبال كفره ، وجزاؤه عليه دون غيره. وكلما استمر الكافرون على كفرهم ، لم يزدهم ذلك إلا بغضا من الله ، وسخطا عليهم ، وكلما