وهذا بسبب جهلهم أن بعض الأشياء لا يقبل الاحتراق في النار ، وأنهم لم يعلموا أن من قدر على جعل إنسان يعيش في النار ، هو أقدر على خلق شجر فيها لا يحترق.
وأوصاف تلك الشجرة : أنها شجرة تخرج أو تنبت في قعر النار وقرار جهنم ، أي ملاصق أساسها الذي لها كالجدران. ويشبه ثمرها في تناهي قبحه ، وبشاعة منظره ، رؤوس الشياطين ، تكريها لذكرها. فقد شبه ثمرها بما استقر في النفوس من كراهة رؤوس الشياطين وقبحها ، وإن كانت لم تر.
وهذه الشجرة يأكل الكفار من ثمرها القبيح الرائحة والطعم ، فيملئون منها بطونهم ، بالإكراه والاضطرار ، لأنهم لا يجدون غير هذه الشجرة ونحوها من كل مرّ عسر المذاق.
ثم إن لهم بعد الأكل منها لشرابا من ماء شديد الحرارة يخالط طعامهم ، أي إن حال المشروب في البشاعة أعظم من حال المأكول. ثم إن مرجعهم بعد شرب الحميم وأكل الزقوم إلى دار الجحيم ، أي إن الحميم يكون في موضع خارج عن الجحيم ، فهم يوردون الحميم لشربه ، كما تورد الإبل إلى الماء ، ثم يردّون إلى الجحيم.
وعلة عذابهم على هذا النحو : أنهم وجدوا آباءهم على الضلال ، فاقتدوا بهم وقلّدوهم ، من غير تعقل ولا تدبر ، ولا حجة ولا برهان ، فهم يتّبعون آباءهم في سرعة. وذلك يدل على أن الكفر ظاهرة قديمة ، وأتباعه كثيرون ، فلقد كان أكثر الأمم الماضية ضالين ، يجعلون مع الله آلهة أخرى ، وليس قريشا وحدهم في هذا الضلال.
ولكن رحمة الله تعالى لم تتركهم بدون إنذار ، فلقد أرسل الله في الأمم كلها أنبياء ورسلا ينذرونهم بأس الله ، ويحذرونهم سطوته ونقمته ممن كفر به ، وعبد غيره ، لكنهم تمادوا في تكذيب رسلهم ، فأهلكهم الله تعالى ، كما قال سبحانه : (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ) أي فانظر أيها الرسول وكل مخاطب بالرسالة الإلهية كيف