وكلمة (أم) فيها معنى الإضراب عن الكلام الأول ، والاستفهام ، وقدرها سيبويه ب (بل والألف) كقول العرب : «إنها لإبل أم شاء». والإشارة ب (هنالك) في قوله تعالى : (جُنْدٌ ما هُنالِكَ) إشارة إلى الارتقاء في الأسباب ، أي هؤلاء القوم إن راموا ذلك هم جند مهزوم ، من جملة الأحزاب والأمم المتعصبين في الباطل ، والمكذبي الرسل ، فأخذهم الله تعالى. و (ما) في قوله (جُنْدٌ ما) زائدة مؤكّدة ، وفيها تخصيص.
ثم قارن الله وضع قريش بأمثالهم الغابرين ، فلقد كذبت الرسل قبل قريش ، قوم نوح ، وقبيلة عاد ، وفرعون ذو الأوتاد ، أي المباني العظيمة الثابتة ، والحكم الراسخ ، وقبيلة ثمود قوم صالح ، وقوم لوط ، وأصحاب الأيكة ، أي غيضة الشجر ، أولئك الأحزاب ، أي الموصوفون بالقوة والكثرة ، كمن تحزب عليك أيها النبي عام الخندق بالمدينة.
لقد كذب كل هؤلاء الأقوام رسلهم الكرام ، فوجب العقاب الإلهي لهم ، جزاء وفاقا. وما ينتظر كفار قريش إلا عقابا بنفخة الساعة التي هي النفخة الثانية ـ نفخة الفزع التي ينفخها إسرافيل ، فتطال جميع أهل السماوات والأرض إلا من استثنى الله ، وليس لتلك النفخة انتظار كالمهلة التي بين الحلبتين ، بل هي متصلة حتى مهلكهم.
وقال مشركو مكة وأمثالهم تهكما واستهزاء حين سمعوا بتهديد العذاب في الآخرة : ربنا عجل لنا نصيبنا من العذاب الذي توعدنا به ، ولا تؤخره إلى يوم القيامة. وهذا إنكار من الله على المشركين في مطالبتهم بتعجيل العذاب ، وهو يتضمن إنكارهم البعث.