حالة غريبة على حالة تشبهها ، والمثل يقرّب المعنى إلى الذهن ، وذلك لعل الناس يتعظون ويعتبرون. ثم وصف الله القرآن بصفات ثلاث : هي كونه قرآنا ، أي مقروءا متلوا في المحاريب إلى يوم القيامة ، وكونه عربيا بلسان عربي مبين ، أعجز الفصحاء والبلغاء عن معارضته ، وكونه غير ذي عوج ، أي براءته وبعده عن التناقض والتضاد. وقدّم الله تعالى التذكر على الاتقاء ، لأن من اتعظ بشيء وفهم معناه ، أقبل على ساحة التقوى : بالتزام المأمورات واجتناب المنهيات والاحتراز من المعاصي والمنكرات.
ثم مثّل الله تعالى الكافر العابد للأوثان والشياطين بعبد لرجال عدّة ، في أخلاقهم شكاسة ونقص وعدم مسامحة ، فهم لذلك يعذّبون هذا العبد ، لأنهم يتضايقون في أوقاتهم ، ويضايقون هذا العبد في كثرة العمل ، فهو أبدا دائب متعب ، فكذلك عابد الأوثان ، أي ضرب الله مثلا للمشرك في صنعه ، لا في معبوده ، الذي يعبد أكثر من إله ، بحالة رجل عبد مملوك يملكه عدد من الرجال ، مختلفون فيما بينهم ، متنازعون في ذلك العبد المشترك بينهم ، متعاسرون ، لسوء أخلاقهم وطباعهم ، كل له رأي وحاجة ، فإذا طلب كل واحد من السادة من هذا العبد شيئا أو حاجة ، فما ذا يفعل ، وكيف يرضي جميع الشركاء؟ كذلك المشرك في عبادته آلهة متعددة لا يتمكن من إرضاء جميع تلك الآلهة ، فهو معذب الفكر بها ، ومتى أرضى صنما منها بالذبح له في زعمه ، تفكّر فيما يصنع مع الآخر ، فهو أبدا في تعب وضلال.
ومثّل الله تعالى المؤمن بالله تبارك وتعالى وحده ، بعبد لرجل واحد يكلفه شغله ، فهو يعمله على تؤدة ، وقد ساس مولاه ، فالمولى يغفر زلّته ، ويشكره على إجادة عمله ، أي ضرب الله مثلا آخر للمؤمن بحالة رجل آخر مملوك لشخص واحد ، لا يشاركه فيه غيره ، فإذا طلب شيئا منه لبّاه دون ارتباك ولا حيرة ، وهذا كالمسلم الذي لا يعبد إلا الله ، ولا يسعى لإرضاء غير ربه ، فهل يكون في طمأنينة أو في حيرة؟.