إِلَيْكُمْ ..) أي التزموا طريق التفهم والطاعة ، واتبعوا أوامر الله واجتنبوا نواهيه ، فهو أحسن من أن يسلك الإنسان طريق الغفلة والمعصية ، وهذا هو المعنى المقصود ب (أحسن) وليس معناه أن بعض القرآن أحسن من بعض ، من حيث هو قرآن ، وإنما وجه الأحسنية : هو بالإضافة إلى أفعال الإنسان وما يجد من عواقبها ، فما يأمر به الله خير مما يفعله الإنسان بهواه وعقله ، قال السّدي : الأحسن : هو ما أمر الله تبارك وتعالى به في كتابه.
واتباع أوامر الله : مطلوب قبل مجيء العذاب فجأة من غير موعد ، والناس غافلون عنه لاهون ، لا يشعرون به ، وهذا تهديد ووعيد.
وهذا منهج الحكمة والعقل ، فإن المبادرة إلى التوبة والعمل الصالح أمر مطلوب قبل فوات الأوان ، وذلك قبل الندم ، وقبل أن تقول نفس مفرطة في التوبة : يا حسرتاه على التقصير في الإيمان والطاعة ، وتدبّر القرآن والعمل بأوامره وإرشاداته ، فلقد كان عملي في الدنيا عمل ساخر مستهزئ بدين الله وكتابه وبرسوله وبالمؤمنين ، غير مصدّق بالله وحسابه. أو قبل أن تقول نفس : لو أن الله أرشدني إلى دينه ، لكنت ممن يتقي الله ويجتنب الشرك. فهذه الجملة (وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) هي من قول الكافر ، مفادها الندامة على استهزائه بأمر الله ، والسّخر : الاستهزاء. أو قبل أن تقول حين معاينة العذاب : ليت لي رجعة أخرى إلى الدنيا ، فأكون من المؤمنين بالله ، الموحّدين له ، المحسنين في أعمالهم. ثم رد الله تعالى على أصحاب هذه التأملات بأنه قد جاءت آيات الله في قرآنه تنذر وتحذر ، فكذبوا بها ، وتكبروا عن اتباعها ، وكانوا من الجاحدين بها ، الكافرين بمضمونها.
إن هذه التحذيرات من سوء العاقبة مفيدة في الدنيا ، لا في الآخرة ، فإن الدنيا : هي دار التكليف ، والآخرة هي دار الحساب والجزاء ، وفي الآخرة لا ينفع الندم ، ولا مجال لإصلاح العمل أو العودة للدنيا لتصحيح الأعمال.