هذه الآيات تبين مصدر إنزال القرآن : وهو أنه من عند الله ، وتناقش الكفار الذين جادلوا بالباطل ، لدحض الحق ، فاستحقوا التهديد بالعذاب في النار.
حم : حروف مقطعة للاستفتاح والتنبيه لخطر ما بعدها ، وللتحدي بالإتيان بمثل آي القرآن في الفصاحة والبلاغة ، والإحكام في النظم والمعنى ، لأنه لم يخرج تركيبه عن الحروف العربية ، مثل هذين الحرفين : حم ، ثم إن تنزيل القرآن الكريم على قلب النبي محمد صلىاللهعليهوسلم من الله الغالب القوي القاهر ، الواسع العلم بخلقه وبكل أقوالهم وأفعالهم ، فأنت أيها النبي صادق في قولك : إنك رسول الله ، وإن القرآن من عند الله. والله منزّل القرآن : هو غافر الذنب الصادر من الإنسان ، وقابل التوبة الخالصة منه ، وشديد العقاب لمن عاداه ، وذو الفضل والسعة والنعمة والمن بكل نعمة ، ينعم بمحض إحسانه ، وهو الإله الواحد الذي لا شريك له ولا نظير ، وإليه مرجع الخلائق كلهم. هذه ست صفات لله عزوجل تضمنت وعيدا بين وعدين ، وعيدا بالعقاب ، ووعدا بمغفرة الذنب وبالإمداد بالنعم ، وهكذا رحمة الله تعالى تغلب غضبه. قال عمر رضي الله عنه : «لن يغلب عسر يسرين» مشيرا لقوله تعالى : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) (٦) [الشرح : ٩٤ / ٥ ـ ٦].
ولا يخاصم في دفع آيات الله وتكذيبها إلا الذين كفروا بالله ، فهم يجادلون بالباطل ، أي جدالا باطلا ، فلا تغتر أيها النبي أو تظن أن وراء تقلبهم وإمهالهم خيرا لهم ، ولا يغتروا بإملاء الله تعالى لهم ، أي ولا تنخدع بتصرفهم وتمتعهم بالمساكن والمزارع والأسفار ، وتنقلهم في بلاد الله للتجارة وتحقيق الأرباح ، وجمع الأموال ، فإنهم معاقبون عما قليل ، وعاقبتهم في النهاية : الدمار والهلاك.
ثم ذكر الله تعالى أن لهم مثلا بمن تقدمهم من الأمم السابقة ، فكما حل العقاب بأولئك ، كذلك ينزل بهؤلاء ، فلقد كذبت قبل جماعة قريش قوم نوح والأحزاب