مؤمن آل فرعون مواعظه لقومه ، فقال : يا قومي ، اتبعوني فيما أقول لكم وأدعوكم إليه ، أدلكم على طريق الرشاد والخير والسداد : وهو اتباع دين الله وأمره. ثم حذرهم من فتنة الدنيا وزهّد فيها ، فقال : يا قومي ، ليست هذه الحياة الدنيا إلا مجرد متاع يستمتع به قليلا ، ثم يزول وينتهي بالموت ، وإن الآخرة هي دار الاستقرار والبقاء والخلود ، أي إن الدنيا شيء يتمتع به قليلا ، وعلى المرء الرغبة في الآخرة.
من ارتكب معصية ، فلا يجزى في الآخرة إلا مثلها ، عدلا من الله ، ومن عمل العمل الصالح : وهو اتباع أمر الله واجتناب نهي الله ، وهو مصدق بالله وبرسله ، فهؤلاء هم لا غيرهم أهل الجنة التي يرزقون فيها رزقا وفيرا بغير عدّ وتقدير ، ولا مقصور على حجم العمل ، فضلا من الله ونعمة ، أي إن جزاء السيئة مثلها فقط ، وجزاء الحسنة لا يقتصر على المثل ، بل يتجاوزه لما شاء الله.
ويا قومي ، أخبروني عنكم ، ما بالي أدعوكم إلى النجاة من النار ودخول الجنة ، بالإيمان بالله تعالى وعبادته وطاعته وتصديق رسله ، وتدعونني إلى عمل أهل النار ، وهو الشرك وعبادة الأصنام؟! أي إن الدعاء إلى طاعة الله وعبادته وتوحيده : هو الدعاء إلى سبب النجاة ، ودعاؤهم إياه دعاء إلى سبب دخول النار. ثم فسر الفرق بين الدعوتين في أن الواحدة كفر وشرك ، والأخرى دعوة إلى الاعتزاز بالله تعالى وغفرانه.
إنكم تدعونني لأمر خطير : وهو الكفر بالله والإشراك به ، مما لم يقم أي دليل على صحته وقبوله ، وأنا أدعوكم إلى الإيمان بالمتصف بصفات الألوهية الحقة ، من العزة الكاملة ، والعلم الشامل ، والإرادة التامة ، والمغفرة الواسعة ، والتعذيب الشديد ، فآمنوا به يغفر لكم ويعزكم. وحقا إن دعاءكم لعبادة الأصنام والأنداد ليس لها أي دعوة مستجابة ، فلا تجيب الداعي ، سواء في الدنيا والآخرة ، والواقع المتحقق أن مرجعنا ومصيرنا إلى الله بالموت ، ثم بالبعث في الآخرة ، فيجازى كل إنسان