(٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ (٨٥)) [غافر : ٤٠ / ٧٩ ـ ٨٥].
هذه آيات للعبر ، وتعداد النعم ، والاحتكام للواقع المشاهد ، فالله تعالى جعل لكم أيها البشر الأنعام وهي الأزواج الثمانية من الإبل والبقر والغنم والمعز. فبعضها في الغالب للركوب كالإبل ، وبعضها للأكل وحرث الأرض عليها كالبقر ، وبعضها للأكل وشرب اللبن كالغنم ، وكلها تتكاثر وتتوالد ، ويستفاد من أصوافها وأوبارها.
فكلمة (منها) الأولى في قوله (لِتَرْكَبُوا مِنْها) للتبعيض لأن المركوب منها هو الإبل خاصة ، وكلمة (منها) الثانية (وَمِنْها تَأْكُلُونَ) لبيان الجنس ، لأن الجميع منها يؤكل ، ولكم أيها البشر في الأنعام منافع أخرى غير الركوب والأكل من صوف وشعر ووبر ، وزبد وسمن ، وجبن وغير ذلك ، ولحمل الأثقال على بعضها إلى البلاد النائية بيسر وسهولة ، وعلى الإبل وغيرها في البر ، وعلى السفن في البحر ، تحملون وتنقلون من بلد إلى آخر.
والله تعالى يريكم أيها الناس عيانا هذه الآيات والبراهين في الآفاق والأنفس ، والتي هي كلها ظاهرة دالة على كمال قدرته ووحدانيته ، مما لا سبيل لإنكاره ، فأي آية من آياته الباهرة تنكرون؟ إنها كلها مشاهدة مرئية ، لا تستطيعون إنكارها ، ففي كل شيء له آية تدل على وحدانيته ، لذا فإنكم على سبيل التوبيخ كيف تنكرون آية منها؟
ثم احتج الله تعالى على قريش بما يظهر في الأمم السالفة من نقمات الله ، مع أنهم كانوا أكثر عددا ، وأشد قوة أبدان وممالك ، وأعظم آثارا في المباني والأفعال من قريش والعرب. أفلم يسر هؤلاء المشركون المجادلون بالباطل في آيات الله ، فينظروا في أسفارهم كيف كان مصير الأمم السابقة التي عصت الله تعالى ، وكذّبت رسلها ،