ورتّب الله تعالى أوضاع الأرض لتصلح للعيش عليها ، بإيجاد ثلاثة أنواع فيها ، وهي إيجاد الجبال الثوابت فيها ، لتحقيق الاستقرار والتوازن على سطحها ، وحفظها من الاضطراب ، ولتخزين المياه والمعادن في باطنها ، والإرشاد للطرق في جنباتها ، وحفظ الهواء والسحاب لها. ثم جعل الله الأرض مباركة كثيرة الخير ، بما أودع فيها من مصادر الثروة المعدنية والمائية والزراعية ، وقدّر الله فيها أرزاق أهل الأرض وأقواتهم ، وما يصلح لمعاشهم من الأشجار والمنافع ، وأتم الله تعالى معايش أهل الأرض في غضون أربعة أيام ، مع اليومين المتقدمين للخلق والإبداع ، وهذا كما تقول : بنيت جدار داري في يوم ، وأكملت جميعها في يومين ، أي بالأول ، وجعل الله ذلك الخلق في أربعة أيام ، مستوية استواء ، بلا نقصان ولا زيادة ، ومستغرقة بالأعمال ، لأجل إجابة سؤال السائلين عن الأمر ، والاستفهام عن حقيقة وقوعه ، والطالبين ما ينتفعون به ، فهم في حكم من سأل هذه الأشياء ، إذ هم بحال حاجة إليها.
وكلمة (سواء) مثل كلمة (عدل) ترد على المفرد والجمع ، والمذكر والمؤنث. وهي مصدر مؤكّد لمضمر هو صفة لأيام ، أي استوت استواء أو سواء.
ثم عمد الله وقصد بقدرته واختراعه إلى خلق السماوات وإيجادها ، حسبما تقتضي الحكمة الإلهية ، فقال للأرض وللسماء : كونا مخلوقتين منقادتين ، خاضعتين للأمر الإلهي ، طائعتين أو مكرهتين ، فاستجابتا ، وقالتا بلسان الحال أو المقال : أتينا ووجدنا طائعين ، أي ائتيا على ما ينبغي أن تأتيا عليه من الشكل والوصف. وبه يتبين أن الله تعالى خلق الأرض أولا ، ثم خلق السماء بعدها ، ثم بعد السماء ، دحا الأرض ، أي بسطها بحسب نظرنا ، وهذا توفيق بين هذه الآية ، وآية : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) [النازعات : ٧٩ / ٣٠].
ثم ذكر الله كيفية تكوين السماوات ، وهو أنه تعالى أتم خلق السماوات السبع وأحكمهن ، وفرغ منهن في مقدار يومين ، فأصبح خلق السماوات والأرض في مقدار