أهل النار ، وهي دار الإقامة المستمرة التي لا انقطاع لها ، ويجزون ذلك الجزاء بسبب جحودهم كون القرآن من عند الله تعالى. إنهم سيرون عظيم ما حلّ بهم وسوء منقلبهم ، وحين يرون العذاب ، يطلبون الانتقام ممن أضلوهم وأبعدوهم عن الطريق القويم.
فقال الكفار طالبين من الله تعالى : ربّنا أرنا من أضلنا من فريقي الجن والإنس ، الذين كانوا يزينون لنا الكفر والمعاصي ، لندوسهم بأقدامنا أو أرجلنا ، ليكون الفريقان من الأذلين المهانين ، في الدرك الأسفل من النار. والطلب لكلا نوعي المضلين ، سواء الذين أضلوا الناس ، وأدى بهم الكفر إلى الخلود في النار ، أو الذين أوقعوا الناس في المعاصي الكبائر. وكل كافر يطلب إبليس ، وكل مرتكب كبيرة يطلبه أيضا ويطلب أعوانه من الإنس. وقولهم : (نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا) يراد به : في أسفل طبقة في النار ، وهي أشد عذابا ، وهي درك المنافقين.
إن من يحذّره القرآن بهذا التحذير الذي يملأ النفس رعبا وهلعا ، وكان عنده قليل من عقل أو وعي أو تأمل ، يبادر إلى البحث عن طريق الإنقاذ ، كحال من يتعرض لخطر مشاهد في الدنيا من حريق ، أو غرق ، أو هدم ، أو زلزال أو بركان ، إن كل إنسان يبحث عن طريق النجاة ، خوفا من الخطر ، وهذا في الدنيا ، فكيف بأهوال العذاب الخالد (الدائم) في نيران الجحيم يوم القيامة.
إن الإنسانية التي تريد النجاة الدائمة والحفاظ على وجودها لا يمكنها تحقيق آمالها ، وتجنب آلامها ومخاطر المستقبل ، إلا بالإصغاء التام لنداءات القرآن العظيم وتوجيهاته ومواعظه السديدة وإرشاداته البليغة ، وحين يستجيب الإنسان لهذا النداء الإلهي تصبح الحياة جنة في الدنيا ، ويتخلص الجميع من الآلام وألوان الشقاء والعذاب الذي يتعرضون له ، فهل من واع أو مدرك لهذا؟!