قومه ، وفتنتهم المؤمنين وغير ذلك ، وتثبيته على أذى الكفرة ، وفي ذلك عبرة ووعيد لكفار قريش بتشبيه أمرهم بأمر قوم نوح ، ولتأكيد ما جاء في مطلع السورة من جعل الابتلاء سنة الحياة.
وهذه آيات توجز بيان مهمة نوح عليهالسلام أطول الأنبياء عمرا ، وأول رسول للبشرية ، وأبي البشر الثاني بعد آدم عليهالسلام ، قال الله تعالى :
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ (١٤) فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ (١٥)) [العنكبوت : ٢٩ / ١٤ ـ ١٥].
إن إيراد قصص الأنبياء السابقين على هذا النحو من التأكيد والتشديد ، ذو مغزى عميق ودلالة واضحة ، فمغزاه العبرة والعظة ، ودلالته الإنذار والتحذير لكفار قريش وأمثالهم ، حين كذبوا رسولهم محمدا صلىاللهعليهوسلم بأنهم سيتعرّضون لعقاب مماثل لمن تقدّمهم من الأقوام الغابرة الذين كذّبوا رسلهم ، فجاءهم عذاب الاستئصال. وتظهر صورة هذا التأكيد في العرض والبيان بقسم من الله تعالى على ما جاء في قصّة كل نبي.
وهنا يقول الله تعالى ما معناه : وتالله لقد أرسلنا نوحا عليهالسلام إلى قومه الكافرين العصاة ، عبدة الأصنام ، فبقي فيهم يدعوهم إلى توحيد الله ألف سنة إلا خمسين عاما ، فلم يؤمن بدعوته إلا قليل من الناس كما قال تعالى : (وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) [هود : ١١ / ٤٠] ، وكذبوه وآذوه ، وأفحشوا له القول ، فصبر نوح عليهالسلام على أذاهم ، ومضى زمان طويل ، وهو يدعوهم إلى أن يتركوا عبادة الأصنام ، ويؤمنوا بالله الواحد الأحد ، وبيوم القيامة والحساب ، فلم يفلح ، ولم يستجيبوا لدعوته ، وأمعنوا في الإعراض والاستكبار ، كما جاء في آية أخرى : (قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً) [نوح : ٧١ / ٢١].