نداء الحق ، وتستمر الصّلة الإلهية قوية بالبشر ، يؤدي كل جيل ما عليه من واجبات الطاعة والاستقامة ، وأداء الأعمال الصالحة التي تؤدي إلى مرضاة الله عزوجل ، والاستقرار في دار المجد والسلام والخلود وهي دار الجنة. وهذا كله تفضّل من الله تعالى بتوجيه البشر لما فيه خيرهم ، وترك ما فيه شرّهم وضررهم ، وهذا ما رسمته لنا الآيات بالمبادرة بالهجرة من ديار الكفر إذا تعذّر على المسلم إقامة شعائر دينه ، إلى ديار الإسلام ، قال الله تعالى :
(يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (٥٦) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (٥٨) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٥٩) وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٠)) (١) (٢) (٣) [العنكبوت : ٢٩ / ٥٦ ـ ٦٠].
الآية الأولى : (يا عِبادِيَ) نزلت في ضعفاء مسلمي مكة ، كانوا في ضيق من إظهار الإسلام بها.
وهي تحرّض المؤمنين الذين كانوا بمكة على الهجرة ، فأخبرهم الله تعالى بسعة أرضه ، وأن البقاء في أرض فيها أذى الكفار ليس بصواب ، بل الصواب أن تلتمس عبادة الله تعالى في أرضه. فيا أيها العباد المصدّقون بالله ورسوله ، إن أرض الله واسعة غير ضيّقة ، يمكنكم الإقامة في أي موضع منها ، فإذا تعذّرت عليكم إقامة شعائر الدين ، بسبب أذى الكفار ، فهاجروا إلى مكان آخر ، تتوافر لكم فيه الحرية والطمأنينة في إقامة شعائر الله ، وما عليكم إلّا متابعة عبادة الله وحده دون غيره ،
__________________
(١) لننزلنّهم.
(٢) منازل رفيعة.
(٣) كثير من الدّوابّ.