قال القاضي : أي من خلق موادها ، والإرشاد إلى أخذها ، وكيفية تركيبها وإجرائها في البحر بأسباب لا يقدر خلقها وجمعها غيره.
القول في تأويل قوله تعالى :
(كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (٢٦) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٢٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٢٨)
(كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) أي : من على ظهر الأرض هالك (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) أي ذاته الكريمة (ذُو الْجَلالِ) أي العظمة والعلوّ والكبرياء (وَالْإِكْرامِ) أي التفضل العام ، وهذه الآية كآية (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) [القصص : ٨٨].
ولما كان فناء الخلق سببا لبعثهم للنشأة الأخرى التي يظهر بها المحق من المبطل ، وينقلب الأول بالثواب ، ويبوء الآخر بالعقاب ، وذلك من أعظم النعم التي يشمل فيها العدل الإلهي المكلفين ـ قال سبحانه (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).
وقد أشار الرازيّ إلى ما في قوله تعالى : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) من الفوائد ، بقوله : فيه فوائد :
منها ـ الحث على العبادة ، وصرف الزمان اليسير إلى الطاعة.
ومنها ـ المنع من الوثوق بما يكون للمرء. فلا يقول ـ إذا كان في نعمة ـ إنها لن تذهب فيترك الرجوع إلى الله ، معتمدا على ماله وملكه.
ومنها ـ الأمر بالصبر إن كان في ضر ، فلا يكفر بالله معتمدا على أن الأمر ذاهب ، والضر زائل.
ومنها : ترك اتخاذ الغير معبودا ، والزجر عن الاغترار بالقرب من الملوك ، وترك التقرب إلى الله تعالى. فإن أمرهم إلى الزوال قريب.
ومنها ـ حسن التوحيد ، وترك الشرك الظاهر والخفي جميعا ، لأن الفاني لا يصلح لأن يعبد.
القول في تأويل قوله تعالى :
(يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (٢٩) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٣٠)
(يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي يدعونه ويرغبون إليه ، ويرجون رحمته لفقرهم الذاتي ، وغناه المطلق. (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) أي كل وقت يحدث أمورا ، ويجدّد أحوالا.