قال مجاهد : يعطي سائلا ، ويفك عانيا ، ويجيب داعيا ، ويشفي سقيما.
وروى ابن جرير أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم تلا هذه الآية. فقيل : يا رسول الله! وما ذاك الشأن قال : يغفر ذنبا ، ويفرج كربا ، ويرفع أقواما ، ويضع آخرين.
وقال القاشاني : المراد يسأله كلّ شيء ، فغاب العقلاء ، وأتى بلفظ (مَنْ) أي كل شيء يسأله بلسان الاستعداد والافتقار دائما (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) بإفاضة ما يناسب كل استعداد ويستحقه ، فله كل وقت في كل خلق شأن ، بإفاضة ما يستحقه ويستأهله باستعداده. فمن استعدّ بالتصفية والتزكية للكمالات الخيرية والأنوار ، يفيضها عليه مع حصول الاستعداد. ومن استعد بتكدير جوهر نفسه بالهيئات المظلمة والرذائل ، ولوث العقائد الفاسدة ، والخبائث ، للشرور والمكاره ، وأنواع الآلام والمصائب والعذاب والوبال : يفيضها عليه مع حصول الاستعداد. انتهى.
وقد أخذ الآية عامة من حيث السائلون خاصة بلسان الاستعداد وغيره ـ كابن كثير والقاضي ـ رآها خاصة بمن يعقل ، عامة بلسان الحال أو المقال. والأقرب هو ما يتبادر بادئ بدء إلى الفهم ، وهو ما ذكرناه أولا (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي مما يسعف به سؤالكما ، ويخرج لكما من مخبأ قدره وخلقه آنا فآنا.
القول في تأويل قوله تعالى :
(سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (٣١) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٣٢)
(سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ) قال القرطبي : يقال : فرغت من الشغل أفرغ فراغا وفروغا. وتفرغت لكذا واستفرغت مجهودي في كذا أي بذلته. والله تعالى ليس له شغل يفرغ منه. وإنما المعنى : سنقصد لمجازاتكم أو محاسبتكم ، فهو وعيد لهم وتهديد ، كقول القائل لمن يريد تهديده : إذا أتفرغ لك ، أي أقصدك.
وقال الزجّاج : الفراغ في اللغة على ضربين : أحدهما الفراغ من الشغل ، والآخر القصد للشيء. والإقبال عليه ، كما هنا. وهو تهديد ووعيد. تقول : قد فرغت مما كنت فيه ، أي قد زال شغلي به. وتقول : سأفرغ لفلان ، أي سأجعله قصدي. فهو على سبيل التمثيل. شبه تدبيره تعالى أمر الآخرة ، من الأخذ في الجزاء ، وإيصال الثواب والعقاب إلى المكلفين ، بعد تدبيره تعالى لأمر الدنيا بالأمر والنهي ، والإماتة والإحياء ، والمنع والإعطاء ، وأنه لا يشغله شأن عن شأن ـ بحال من إذا كان في شغل يشغله عن شغل آخر ، إذا فرغ من ذلك الشغل ، شرع في آخر. وجازت الاستعارة التصريحية أيضا. وقد ألم به صاحب (المفتاح) حيث قال : الفراغ الخلاص عن