والأرض فتعجزوا ربكم حتى لا يقدر على عذابكم ، فافعلوا. وكأن ما قبل هذه الآية وما بعدها يدل على هذا القول ، فإن قبلها (سَنَفْرُغُ لَكُمْ ...) الآية ، وهذا في الآخرة ، وبعدها (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ ..) [الرحمن : ٣٧] الآية ، وهذا في الآخرة ، وأيضا فإن هذا خطاب لجميع الإنس. والجن فإنه أتى فيه بصيغة العموم ، وهي قوله : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) فلا بد أن يشترك الكل في سماع هذا الخطاب ومضمونه ، وهذا إنما يكون إذا جمعهم الله في صعيد واحد ، يسمعهم الداعي ، وينفذهم البصر. وقال تعالى : (إِنِ اسْتَطَعْتُمْ) ولم يقل : إن استطعتما ، لإرادة الجماعة ، كما في آية أخرى (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ) [الأنعام : ١٣٠] ، وقال : (يُرْسَلُ عَلَيْكُما) ، ولم يقل : يرسل عليكم ، لإرادة الصنفين ، أي لا يختص به صنف عن صنف ، بل يرسل ذلك على الصنفين معا. وهذا ، وإن كان مرادا بقوله : (إِنِ اسْتَطَعْتُمْ) [الرحمن : ٣٣] ، فخطاب الجماعة في ذلك بلفظ الجمع أحسن. أي من استطاع منكم. وحسّن الخطاب بالتثنية في قوله : (عَلَيْكُما) أمر آخر ، وهو موافقة رؤوس الآي ، فاتصلت التثنية بالتثنية. وفيه التسوية بين الصنفين في العذاب بالتنصيص عليهما ، فلا يحتمل اللفظ إرادة أحدهما ـ والله أعلم ـ انتهى كلام ابن القيم.
وأنت ترى أن لا قرينة تخصص الآية بالقيامة ، وما استشهد به من الآيات لا يؤيده ، لأنه ليس من نظائره. فالوجه ما ذكرناه.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) قال القاضي : فإن التهديد لطف ، والتمييز بين المطيع والعاصي بالجزاء والانتقام من الكفار ، من عداد الآلاء.
القول في تأويل قوله تعالى :
(فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ (٣٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٣٨)
(فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ) أي انفطرت فاختل نظامها العلوي (فَكانَتْ وَرْدَةً) أي كلون الورد الأحمر (كَالدِّهانِ) أي كالدهن الذي هو الزيت ، كما قال : (يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ) [المعارج : ٨] ، وهو دردي الزيت ، يعني في لونه الكدر وذوبانه ، لصيرورتها إلى الفناء والزوال. (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي مما يحله بكم بعد ذلك.
القول في تأويل قوله تعالى :
(فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (٣٩) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٤٠)