قال الشهاب : والظاهر أن قوله : (وَنُنْشِئَكُمْ) المراد به إذا بدلناكم بغيركم ، لا في الدار الآخرة ، كما توهم. وهذا كقوله تعالى : (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ) [النساء : ١٣٣] ، (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى) أي أنه أنشأكم بعد أن لم تكونوا شيئا مذكورا ، فخلقكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة. (فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ) أي فتعرفون أن الذي قدر على هذه النشأة ، وهي البداءة. قادر على النشأة الأخرى ، وهي الإعادة ، وأنها أهون عليه
القول في تأويل قوله تعالى :
(أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ (٦٣) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (٦٤) لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (٦٥) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (٦٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) (٦٧)
(أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ) أي ما تحرثون الأرض لأجله ، وهو الحب. و (الحرث) : شق الأرض للزراعة ، وإثارتها ، وإلقاء البذر فيها. (أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ) أي تنبتونه (أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) أي المنبتون وعن بعض السلف أنه كان إذا قرأ هذه الآية وأمثالها يقول : بل أنت يا ربّ! (لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً) أي أيبسناه قبل استوائه واستحصاده. وأصل (الحطام) ما تحطم وتفتت لشدة يبسه (فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) أي تعجبون من هلاكه ويبسه بعد خضرته. أو تندمون على اجتهادكم فيه الذي ضاع وخسر. أو (تفكهون) على ما أصبتم لأجله من المعاصي ، فتتحدثون فيه. و (التفكه) التنقل بصنوف الفاكهة ، وقد استعير للتنقل بالحديث ، لأنه ذو شجون. وقوله تعالى : (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ) مقول قول مقدّر ، هو حال. أي قائلين ، أو يقولون : إنا لمغرمون. أي ملزمون غرامة ما أنفقنا ، أو مهلكون لهلاك رزقنا. من (الغرام) بمعنى الهلاك قال :
إن يعذّب يكن غراما وإن يعط جزيلا فإنه لا يبالي (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) أي حرمنا رزقنا.
القول في تأويل قوله تعالى :
(أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (٦٩) لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ) (٧٠)
(أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ) يعني العذاب الصالح للشرب (أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ