الأجسام ، ودنس الهيولى ، أو عن المخالفة والعصيان.
وقال ابن زيد : زعمت كفار قريش أن هذا القرآن تنزلت به الشياطين ، فأخبر الله تعالى أنه (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) كما قال : (وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) [الشعراء : ٢١٠ ـ ٢١٢]. انتهى. قال ابن كثير : وهذا القول قول جيد.
وقال الفرّاء : لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن به. ومثله قول محمد بن الفضل : لا يقرؤه إلا الموحدون.
فنفي مسّه كناية عن ترك تقبّله ، والاهتداء به ، والعناية به ، فإن مسّ الشيء سبب حب الملموس ، وأثر الإقبال عليه ، ورائد الانصياع له ، والطهارة حينئذ هي نظافة القلب من دنس الشرك والنفاق ، والملكات الرديئة ، والغرائز الفاسدة.
وقال آخرون : عني ب (المطهرين) المتطهرون من الجنابة والحدث. قالوا : ولفظ الآية خبر ، ومعناها النهي ، إشارة إلى أن تلك الصفة طبيعة من طبائعه ، ولازم من لوازمه ، لشرفه وعظم شأنه.
قالوا : والمراد بـ (الكتاب) المصحف ، واحتجوا بما رواه الإمام مالك في موطئه عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ؛ أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلىاللهعليهوسلم لعمرو بن حزم ، أن لا يمس القرآن إلا طاهر. وبما روى الدارقطني في قصة إسلام عمر ؛ أن أخته قالت له قبل أن يسلم : إنه رجس و (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) إلا أن فيهما مقالا بيّنه الحافظ ابن حجر في (تلخيص الحبير) وأشار له ابن كثير أيضا. ومع ذلك فالدلالة ليست قطعية. وقد أوضح ذلك الشوكاني في (نيل الأوطار) وعبارته :
(الطاهر) يطلق بالاشتراك على المؤمن ـ والطاهر من الحدث الأكبر والأصغر ـ ومن ليس على بدنه نجاسة. ويدل لإطلاقه على الأول قوله الله تعالى : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) [التوبة : ٢٨] ، وقوله صلىاللهعليهوسلم لأبي هريرة (١) : المؤمن لا ينجس. وعلى الثاني (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) [المائدة : ٦] ، وعلى الثالث : قوله (٢) صلىاللهعليهوسلم
__________________
(١) أخرجه البخاري في : الغسل ، ٢٣ ـ باب عرق الجنب وأن المؤمن لا ينجس ، حديث ٢٠٤.
(٢) أخرجه البخاري في : الوضوء ، ٤٩ ـ باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان ، حديث رقم ١٤٥ ، عن المغيرة.