في المسح على الخفين : دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين. وعلى الرابع : الإجماع على أن الشيء الذي ليس عليه نجاسة حسية ولا حكمية يسمى طاهرا. وقد ورد إطلاق ذلك في كثير. فمن أجاز حمل المشترك على جميع معانيه ، حمله عليها هنا. والمسألة مدونة في الأصول ، وفيها مذاهب. والذي يترجح أن المشترك مجمل فيها ، فلا يعمل به حتى يبين. وقد وقع الإجماع على أنه لا يجوز للمحدث حدثا أكبر أن يمس المصحف. وخالف في ذلك داود. استدل المانعون للجنب بقوله تعالى : (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) وهو لا يتم إلا بعد جعل الضمير راجعا إلى القرآن. والظاهر رجوعه إلى الكتاب ، وهو اللوح المحفوظ ، لأنه الأقرب. و (الْمُطَهَّرُونَ) الملائكة. ولو سلم عدم الظهور ، فلا أقل من الاحتمال ، فيمتنع العمل بأحد الأمرين ، ويتوجه الرجوع إلى البراءة الأصلية. ولو سلم رجوعه إلى القرآن على التعيين ، لكانت دلالته على المطلوب ، وهو منع الجنب من مسه ، غير مسلمة. لأن المطهر من ليس بنجس ، والمؤمن ليس بنجس دائما ، لحديث : المؤمن لا ينجس. وهو متفق عليه.
فلا يصح حمل المطهر على من ليس بجنب أو حائض أو محدث أو متنجس بنجاسة عينية ، بل تعين حمله على من ليس بمشرك ، كما في قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) لهذا الحديث ، ولحديث النهي عن السفر بالقرآن إلى أرض العدوّ. ولو سلم صدق اسم (الطاهر) على من ليس بمحدث حدثا أكبر أو أصغر. فقد عرفت أن الراجح كون المشترك مجملا في معانيه ، فلا يعين حتى يبين. وقد دل الدليل هاهنا أن المراد به غيره لحديث (المؤمن لا ينجس). ولو سلم عدم وجود دليل يمنع من إرادته ، لكان تعيينه لمحل النزاع ترجيحا بلا مرجح ، وتعيينه لجميعها استعمالا للمشترك في جميع معانيه ، وفيه الخلاف ، ولو سلم رجحان القول بجواز الاستعمال في جميع معانيه ، لما صح ، لوجود المانع ، وهو حديث : المؤمن لا ينجس. واستدلوا أيضا بحديث عمرو بن حزم المتقدم ، وأجيب بأنه غير صالح للاحتجاج. لأنه من صحيفة غير مسموعة ، وفي رجال إسناده خلاف شديد ، ولو سلم صلاحيته للاحتجاج ، لعاد البحث السابق في لفظ (طاهر) وقد عرفته.
قال السيد العلامة محمد بن إبراهيم الوزير : إن إطلاق اسم النجس على المؤمن الذي ليس بطاهر من الجنابة أو الحيض أو الحدث الأصغر ، لا يصح لا حقيقة ولا مجازا ولا لغة. صرح بذلك في جواب سؤال ورد عليه. فإن ثبت هذا فالمؤمن طاهر دائما ، فلا يتناوله الحديث ، سواء كان جنبا أو حائضا أو محدثا ، أو على بدنه نجاسة.