روى ابن جرير عن الضحاك في الآية قال : هو فوق العرش ، وعلمه معهم أينما كانوا. وقال ابن كثير : حكى غير واحد الإجماع على أن المراد بهذه الآية معية علمه تعالى. ولا شك في إرادة ذلك.
قال الإمام أحمد : افتتح الآية بالعلم ، واختتمها بالعلم.
تنبيه :
استدلت المعتزلة بهذه الآية على أن الله تعالى في كل مكان ، فرد عليهم الإمام ابن حزم في (الفصل) بأن قول الله تعالى يجب حمله على ظاهره ، ما لم يمنع من حمله على ظاهره نص آخر ، أو إجماع ، أو ضرورة حس. وقد علمنا أن كل ما كان في مكان ، فإنه شاغل لذلك المكان ومالئ له ، ومتشكل بشكل المكان ، أو المكان متشكل بشكله. ولا بد من أحد الأمرين ضرورة ، وعلمنا أن ما كان في مكان ، فإنه متناه بتناهي مكانه ، وهو ذو جهات ست أو خمس متناهية في مكانه ، وهذه كلها صفات الجسم. فلما صح ما ذكرنا ، علمنا أن قوله تعالى : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق : ١٦] ، (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ) [الواقعة : ٨٥]. وقوله تعالى : (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ) إنما هو التدبير لذلك ، والإحاطة به فقط ضرورة ، لانتفاء ما عدا ذلك. وأيضا فإن قولهم (في كل مكان) خطأ ، لأنه يلزم ، بموجب هذا القول ، أنه يملأ الأماكن كلها ، وأن يكون ما في الأماكن فيه ، تعالى الله عن ذلك ، وهذا محال. فإن قالوا : هو فيها ، بخلاف كون المتمكن في المكان. قيل لهم : هذا لا يعقل ، ولا يقوم عليه دليل. انتهى.
وقد تقدم في قوله تعالى : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) كلام في المعية لابن تيمية ، فارجع إليه في سورة الحديد.
القول في تأويل قوله تعالى :
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (٨)
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى) قال مجاهد : هم اليهود. (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ) أي : بما هو إثم وتعدّ على المؤمنين ، وتواص بمخالفة النبيّ صلىاللهعليهوسلم.