قال أبو السعود : وذكره عليه الصلاة والسلام بعنوان الرسالة بين الخطابين المتوجهين إليه ، لزيادة تشنيعهم ، واستعظام معصيتهم.
(وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ) أي من قولهم : (السام عليك) ، أو مما نسخه الإسلام من تحايا الجاهلية ، فإن الله تعالى يقول : (وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ) [الصافات : ١٨١].
(وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ) أي : من التناجي المذموم ، أو من التحريف في التحية ، استهزاء وسخرية. أي : هلّا يعجل عقوبتنا بذلك؟ لو كان محمد رسوله ، قال تعالى : (حَسْبُهُمْ) أي : يكفي قائلي ذلك في تعذيبهم (جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ).
ثم نهى تعالى المؤمنين وحذّرهم أن يجترموا في النجوى ما اجترمه أولئك ، بقوله :
القول في تأويل قوله تعالى :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٩) إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (١٠)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ ، فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ) أي : بطاعة الله ، وما يقربكم منه ، (وَالتَّقْوى) أي : اجتناب ما يؤثم ، (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) أي : فيجزيكم بما اكتسبتم مما أحصاه عليكم.
ثم شجع تعالى المؤمنين في قلة المبالاة بمناجاة أعدائهم ، وأنها لا تضرهم ما داموا مثابرين على وصاياه ، متكلين عليه ، بقوله (إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ) أي : النجوى التي ذمها. فاللام للعهد. أي المزين لهذه النجوى بالشر ، والحامل عليها الشيطان. (لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ) أي الشيطان ، أو التناجي المذكور (شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) أي بمشيئته (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) أي بالمضي في سبيله ، والاستقامة على أمره ، وانتظار النصر على أثره.
لطيفة :
قال القاشانيّ : إنما نهوا عن النحوي لأن التناجي اتصال واتحاد بين اثنين في أمر يختص بهما ، لا يشاركهما فيه ثالث. وللنفوس عند الاجتماع والاتصال تعاضد