منه الجلوس مع الملأ ، فذكر آدابه ، ورتب على امتثالهم فسحه لهم فيما يريدون التفسح ، من المكان والرزق والصدر.
قال ابن كثير : وذلك أن الجزاء من جنس العمل ، كما جاء في الحديث الصحيح (١) : من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة. ومن يسّر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. ولهذا أشباه كثيرة.
قال قتادة : نزلت هذه الآية في مجالس الذكر ، وذلك أنهم إذا رأوا أحدهم مقبلا ضنّوا بمجالسهم عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأمرهم الله أن يفسح بعضهم لبعض.
(وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا) أي انهضوا للتوسعة ، أو ارتفعوا في المجالس ، أو انهضوا عن مجلس الرسول ، إذا أمرتم بالنهوض عنه ، ولا تملوه بالارتكاز فيه ، (فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) أي يرفع المؤمنين بامتثال أوامره ، وأوامر رسوله ، والعالمين بها ، الجارين على موجبها بمقتضى علمهم ، درجات دنيوية وأخروية.
قال الناصر : لما علم أن أهل العلم بحيث يستوجبون عند أنفسهم ، وعند الناس ، ارتفاع مجالسهم ، خصهم بالذكر عند الجزاء ، ليسهل عليهم ترك ما لهم من الرفعة في المجلس. تواضعا لله تعالى. انتهى.
وهذا ـ كما قال الشهاب ـ من مغيبات القرآن. لما ظهر من هؤلاء في سائر الأعصار من التنافس في رفعة المجالس ، ومحبة التصدير.
وفي كلام الزمخشريّ ما يشير إلى أنه من عطف الخاص على العام ، تعظيما له ، بعدّه كأنه جنس آخر ، كما في (وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ) [البقرة : ٩٨]. ولذا أعاد الموصول في النظم ، والمراد بالعلم علم ما لا بد منه من العقائد الحقة ، والأعمال الصالحة.
تنبيهات :
الأول ـ في (الإكليل) : في الآية استحباب في مجالس العلم والذكر ، وكل مجلس طاعة.
الثاني ـ يفهم من الأمر بالتفسح النهي عن إقامة شخص ليجلس أحد مكانه.
__________________
(١) أخرجه البخاري في : الصلاة ، ٦٥ ـ باب من بنى مسجدا ، حديث رقم ٢٩٧ ، عن عثمان بن عفان.
وأخرجه مسلم في : المساجد ومواضع الصلاة ، حديث رقم ٢٤ و ٢٥.