(ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ) أي نخلة من نخيلهم إغاظة لهم (أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ) أي أمره ورضاه ، لأن ذلك ليس للبعث والإصرار ، بل لتأييد قوة الحق ، وتصلّب أهله ، وإرهاب المبطلين وإذلالهم ، كما قال تعالى : (وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ) أي لما فيه من إهانة العدوّ ، وإضعافه ونكايته.
تنبيه :
ذكر علماء الأخبار وأئمة السير ، أن سبب الأمر بجلاء بني النضير هو نقضهم العهد. قال الإمام ابن القيّم : لما قدم النبيّ صلىاللهعليهوسلم المدينة ، صار الكفار معه ثلاثة أقسام ، قسم صالحهم ووادعهم على أن لا يحاربوه ، ولا يظاهروا عليه ، ولا يوالوا عليه عدوه ، وهم على كفرهم ، آمنون على دمائهم وأموالهم. وقسم حاربوه ونصبوا له العداوة. وقسم تاركوه فلم يصالحوه ولم يحاربوه ، بل انتظروا ما يؤول إليه أمره وأمر أعدائه. ثم من هؤلاء من كان يحب ظهوره وانتصاره في الباطن. ومنهم من كان يحب ظهور عدوه عليه وانتصارهم. ومنهم من دخل معه في الظاهر ، وهو مع عدوه في الباطن ، ليأمن الفريقين ، وهؤلاء هم المنافقون. فعامل كل طائفة من هذه الطوائف بما أمر به ربه ـ تبارك وتعالى ـ فصالح يهود المدينة ، وكتب بينهم كتاب أمن ، وكانوا ثلاث طوائف حول المدينة : بني قينقاع ، وبني النضير ، وبني قريظة. فكانت بنو قينقاع أول من نقض ما بينهم وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وحاربوا فيما بين بدر وأحد ، وحاصرهم صلىاللهعليهوسلم ، ثم أمرهم أن يخرجوا من المدينة ، ولا يجاوروه بها. ثم نقض العهد بنو النضير. وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم خرج إليهم يستعينهم في دية قتيلين من بني عامر ، وجلس رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى جنب جدار من بيوتهم ، فتآمروا على قتله صلىاللهعليهوسلم ، وأن يعلو رجل فيلقي صخرة عليه ، فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب أحدهم ، وصعد ليلقي عليه صخرة ، ونزل الوحي على الرسول صلوات الله عليه بما أراد القوم. فقام ورجع بمن معه من أصحابه إلى المدينة. وأمر بالتهيؤ لحربهم. ثم سار بالناس ، حتى نزل بهم فحاصرهم ست ليال ، فتحصنوا منه في الحصون ، فأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقطع النخيل وتحريقها ، ثم قذف الله في قلوبهم الرعب ، وسألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يجليهم ، ويكفّ عن دمائهم ، على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الحلقة ، ففعل. فاحتملوا من أموالهم ما استقلّت به الإبل. فكان الرجل منهم يهدم بيته عن نجاف بابه ، فيضعه على ظهر بعيره ، فينطلق به. فخرجوا إلى خيبر ، ومنهم من سار إلى الشام ، وخلوا الأموال لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فكانت له خاصة يضعها حيث شاء ، فقسمها رسول الله صلىاللهعليهوسلم على المهاجرين الأولين دون الأنصار ، إلا أن سهل بن حنيف