تنبيه :
في (الإكليل) : في الآية مدح الإيثار في حظوظ النفس والدنيا. انتهى.
وقال ابن كثير : هذا المقام أعلى من حال الذين وصف الله بقوله تعالى : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) [الإنسان : ٨] ، وقوله : (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ) [البقرة : ١٧٧] ، فإن هؤلاء تصدّقوا ، وهم يحبون ما تصدّقوا به ، وقد لا يكون لهم حاجة إليه ، ولا ضرورة به. وهؤلاء آثروا على أنفسهم مع خصاصتهم وحاجتهم إلى ما أنفقوه. ومن هذا المقام تصدّق الصّديق رضي الله عنه بجميع ماله ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ما أبقيت لأهلك؟ فقال رضي الله عنه : أبقيت لهم الله ورسوله! وهكذا الماء الذي عرض على عكرمة وأصحابه يوم اليرموك ، فكل منهم يأمر بدفعه إلى صاحبه ، وهو جريح مثقل ، أحوج ما يكون إلى الماء ، فردّه الآخر إلى الثالث ، فما وصل إلى الثالث حتى ماتوا عن آخرهم ، ولم يشربه أحد منهم ، رضي الله عنهم وأرضاهم.
(وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ) أي فيخالفها فيما يغلب عليها من حب المال ، وبغض الإنفاق. (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أي الفائزون بالسعادتين. وفي إضافة الشّحّ إلى النفس إشارة لما قاله القاشاني من أن النفس مأوى كل شر ووصف رديء ، وموطن كل رجس وخلق دنيء. والشح من غرائزها المعجونة في طينتها ، لملازمتها الجهة السفلية ، ومحبتها الحظوظ الجزئية ، فلا ينتفي منها إلا عند انتفائها. ولكن المعصوم من تلك الآفات والشرور ، من عصمه الله.
قال ابن جرير : الشح في كلام العرب البخل ، ومنع الفضل من المال. والعلماء يرون أن الشح في هذا الموضع إنما هو أكل أموال الناس بغير حق. ثم روي أن رجلا أتى ابن مسعود فقال : يا أبا عبد الرحمن! إني أخشى أن تكون أصابتني هذه الآية (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ، وأنا رجل شحيح ، لا يكاد يخرج من يدي شيء! قال : ليس ذاك بالشح الذي ذكر الله في القرآن ، إنما الشح أن تأكل مال أخيك ظلما. ذلك البخل ، وبئس الشيء البخل! انتهى.
والظاهر أنه عنى بالعلماء علماء الأثر. لأنه لم يفسر إلا بالمأثور. ولعل ابن مسعود فسّر الآية بذلك ، لدلالة سياقها عليه ، إذ القصد تزهيد الأنصار في أن تطمح أنفسهم لما جعل للمهاجرين دونهم. أو هو يرى الفرق بين الشح والبخل بما ذكره. وعلى كل ، فلا يتعين تأويل الآية بما ذكره بل هي مما تحتمله.