وعن ابن زيد في الآية قال : من وقي شح نفسه فلم يأخذ من الحرام شيئا ، ولم يقربه ، ولم يدعه الشح أن يحبس من الحلال شيئا ، فهو من المفلحين.
وروي ابن جرير عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : برئ من الشح من أدّى الزكاة ، وقرى الضيف ، وأعطى في النائبة.
وروى الإمام أحمد (١) عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ، واتقوا الفحش فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش ، وإياكم والشح فإنه أهلك من قبلكم : أمرهم بالظلم فظلموا ، وأمرهم بالفجور ففجروا ، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا.
وعن أبي هريرة (٢) أنه سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد أبدا ، ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدا.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (١٠)
(وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) يعني بالذين جاءوا من بعدهم ، الذين هاجروا حين قوي الإسلام من بعد الذين هاجروا مخرجين من ديارهم. فالمراد مجيئهم إلى المدينة بعد مدة. والمجيء حسي. وقيل : هم المؤمنون بعد الفريقين إلى يوم القيامة. فالمجيء إما إلى الوجود ، أو إلى الإيمان. ونظير هذه الآية ، آية براءة : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) [التوبة : ١٠٠].
قال الشهاب : والمراد بدعاء اللاحق للسابق ، والخلف للسلف ، أنهم متبعون لهم ، أو هو تعليم لهم بأن يدعوا لمن قبلهم ، ويذكروهم بالخير.
تنبيه :
جعل الزمخشري قوله : (وَالَّذِينَ) عطفا على (الْمُهاجِرِينَ) كالموصول قبله في قوله : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا ...) إلخ. فيكون قوله (يُحِبُّونَ) وقوله (يَقُولُونَ) حالين.
__________________
(١) أخرجه في مسنده ٢ / ١٥٩. الحديث رقم ٦٤٨٧.
(٢) أخرجه النسائي في : الجهاد ، ٨ ـ باب فضل من عمل في سبيل الله على قدمه.